كل ما يبهجك يبهج غيرك؛ فشطير الأنس بين الأنام هو الضحك، والتبسُّم ترتاح له كل نفس وتطيب معه الأحاديث وتشعر معه وبه وفيه بالسعادة العارمة التي تخوض أرجائك ولا تترك منك جزءًا لم تزره حتى تشعر كأنك حصن قد غزاه عدوه ولكن العدو هنا هو الذي ظننته عدوًا فإذا به صديقًا ألا وهو التبسم.
ابتسم عندما ترى عجوزًا يمر بجانبك قد أثقلت السنوات خطاه، واعتلت حاجباه شعيرات بيضاء بل غزتها ولم تترك منها شعرًا أسودًا جميلًا، ابتسم عندما تقف في إشارة المرور وتنظر إلى جانبك فترى شخصًا ينظر إليك اجعله ينسى كدره لو كان مكدرًا من هموم الحياة وعوابثها، وإذا ما دخلت منزلك ابتسم في وجه زوجتك فهي أم أولادك وشريكة عمرك هذه الابتسامة تجعلها تشعر بالسعادة تجعلها تعتقد أنها الأهم في حياتك، وأنك سعيد معها حتى ولو لم تكن كذلك.
ابتسم في وجوه أبنائك وبناتك علمهم علم الابتسامة، فهو علم ليس له مجال أكاديمي أو شهادات عليا بل هو خلق جليل مستحث عليه ومأخوذ من سيرة النبي صل الله عليه وسلم أعظم البشر خلقة وخلقًا وسيد ولد آدم وكان يحمل هم أمة ورسالة عظيمة ومع ذلك كان متبسمًا وباسمًا بأبي وأمي هو صلوات ربي وسلامه عليه، لذلك علِّم أبنائك علم الابتسامة.
وقد قلت أن الابتسامة علم لأن الابتسامة تفتح ما بينك وبين الغريب من أبواب مغلقة بصورة تعجز عنها العلوم الإنسانية بميادينها المختلفة، وتذيب ثلج الركود المخيِّم على جفاف الحياة ومصاعبها، وتزيل كل هم من قلب المبتسم والمُبتسم له، وتجعل أصعب الصفقات التجارية تتم في دقائق معدودة، وهي ليست علمًا فقط بل هي خلق جميل ونبيل، يستخلص ما في الفطرة البشرية من جمال، وروعة وبساطة، ولا يقهر الصعاب كالمبتسم ولا يُحَب كالمبتسم، ولا يُسأل عن رجل إذا غاب كالمبتسم.
وهذا العلم علم الابتسامة بسيط التعلم صعب الممارسة سهل التطبيق، وصعوبة ممارسته هي التقلبات النفسية في دواخل الإنسان من مشاعر حزن وفرح وغضب، هذه التقلبات هي ما يجعله صعب الممارسة، وسهولة تطبيقه ينقضي عليها بعض الصعوبة ما إذا وضعت في غير موضعها الابتسامة، وبسيط التعلم لأن العضلات المسؤولة عن الابتسامة قليلة وغير مكلفة للجسم جهدًا وتستلطفها النفس البشرية تعلمًا في بادئ الأمر ثم تطبيقا في آخر الأمر ولكن يجب الاستمرار في تعلمه وأعتقد أنك حين تعرف بابتسامتك فلا ينفر منك قريب ولا يخافك غريب.
وأيضا الابتسامة يصعب على من يتصنعها التصنع، فإن كانت تخرج من صدر حقود ستخرج صفراء باهتة كأنها شجرة مر عليها الأعصار ولم يبق بها حياة، وإذا كانت تخرج من صدر رحب تكون مشعة محببة كلؤلؤة ألقيت في بحر ظلامه دامس، والابتسامة لها في قلوب جميع البشر مساحة عظيمة من التقبُّل، ومساحة عظيمة من الترحيب، وهي لا تعترف بأي لغة فهي مفهومة لكل الناس على هذا الكوكب .
والابتسامة خلقٌ جميل في مجتمعنا يقل ويكثر وهناك البعض منا هداه الله لا يحب الابتسامة فهو في اعتقاده أنها تقلل من هيبته المزعومة، فما أدري بأي كلام أواجههم، ولكن لهم مني ومنكم يا أحبتي قراء مقالتي المتواضعة من كاتب مغمور صغير السن أن نعلمهم علم الابتسامة وذلك سهل جدًا فقط عندما ترونهم ابتسموا في وجوههم وسيتعلمون علم الابتسامة في أقرب وقت.
ولكل شيء في هذا الكون ابتسامة جميلة فانظر إلى النجوم كأنها باسمة، وانظر إلى زهور الحدائق مع كل صباح تشعر أنها تبتسم، وانظر إلى الأطفال جميعهم كيف يتبسمون في وجهك بكل براءة وبكل وقت، فهم أساتذة هذا العلم ورواده، فهم يبتسمون دون تصنُّع ودون أن تكون هناك غاية من الابتسامة، وبلا ملل، وإن لم ينجح مقالي هذا بتعليمك الابتسامة فتعلمها من الأطفال!.
مقالات سابقة للكاتب