من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى هو مقدر الأقدار وبيده ملكوت السموات والأرض ﴿ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾. وفي عصرنا هذا الذي انقلبت فيه بعض المفاهيم وتعثر الفكر الإنساني فيه، وتخلى البعض عن المبادئ السليمة برغم الكم الهائل من العلوم والمعارف وتقدم الصناعات والاختراعات في شتى مجالات الحياة.
ومع هذه الاختراعات اخترعت كذلك بعض المصطلحات التي يحاول واضعوها إهانة العقل البشري واختطافه إلى جهة ومسار غير الذي كان من المفترض أن يسلكه العقل السوي السليم، فمثلا نحن نشاهد هذه الأعاصير التي تضرب بعنف وتلك البراكين التي تثور بين الفينة والأخرى، ومنشأ معظم تلك الأعاصير وتولدها من المحيطات فتمر على الجزر والمدن الواقعة على خط سيرها فـ( تدمر كل شيء بأمر ربها )، نعم بأمر ربها، ثم ينبري الإنسان الجهول الذي نسي ربه فأنساه نفسه في خضم غروره بما أعطاه من العلم؛ فينسب هذه الحوادث كلها إلى الطبيعة إله هذا العصر المزعوم.
فيقول في غرور إن هذه الأعاصير إنما هي من غضب الطبيعة، فهو لجهله وتعديه يأخذ كل صفات الخالق جل وعلا ثم ينسبها للطبيعة الصماء، وحتى الذين من المفترض أن لهم علم من الله سبحانه عن طريق الرسل والأنبياء الذين بينوا للبشرية طريق الحق، أخذوا يلوكون تلك المصطلحات في وسائل إعلامهم بدون تفكر، أو فلنقل يهرفون بما لا يعرفون، أو أنهم يعرفون ثم يجحدون وينكرون ما عرفوه وعلموه تقليدًا لمن انبهروا بعلمهم واختراعاتهم؛ فيكونوا بذلك قد سلكوا مسالك الإمعات، بل إنني لا ألوم أولئك بقدر ما ألوم أبناء من حملوا مشاعل الإيمان والعقيدة إلى شتى بقاع المعمورة.
كيف يتسنى للبعض أن ينطق بكل برود ويرفع عقيرته بمصطلحات يعلم الله أنها تجرح وتقدح في عقيدته حين ينطق بها، ومثل آخر من الشائع عندنا أننا لو رأينا شخصًا قد أتاه الله موهبة قد تخرج مما ألفه البشر، نقول هذا فلتة من فلتات الدهر، وهذا الكلام جد خطير في رأي المتواضع؛ كيف يكون فلتة والله بحكمته التي تجلت في كل شيء هو الواهب؟ وما معنى الدهر ففي الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسبّ الدّهر وأنا الدّهر أقلّب الليل والنهار”، وفي رواية: “لا تسبّوا الدّهر فإنّ الله هو الدّهر”، ومادام الأمر كذلك وأن الله هو الدهر، فكيف يفلت منه شيء وهو المهيمن على كل هذا الكون سبحان الله وتعالى، عن أي قول لا يليق بعظمته وجلاله.
هل بلغ بنا الجهل أو فلنقل الكسل عن البحث والتقصي بحيث أننا نتطاول على الله والآية الصريحة الواضحة تقول ﴿ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾ ثم بعد هذه الحجة نقول فلتة من فلتات الدهر! كم أنت ظلوم وجهول وجاحد أيها الإنسان الضعيف.
فالإنسان بدون مبادئ وثوابت سوف تتقاذفه الأهواء ثم يتلمس الطريق فإذا به يهوي في قاع سحيق لا قرار له، هل من المعقول أنه كلما استهوتنا عبارة أو مصطلح وأعجبنا به نتلقفه بدون وعي أو تمحيص؟ ما هكذا تورد الإبل يا أمة العلم والمعرفةز
علينا إذًا أن ننتقي عباراتنا ومصطلحاتنا حتى لا نقع في المحظور، فقد قال الرسول الكريم ﷺ (إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة -مِنْ رضوان الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة -من سَخَط الله- لا يُلْقِي لها بالاً يهوي بها في جهنم ) نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى.
وليعلم من اغتر بعلمه ممن يدعون سفها أنهم قد بلغوا من العلم لدرجة أنهم لا يحتاجون فيه إلى الله نعوذ بالله من الخذلان فإن كانوا صادقين فيما يدعون فليحاولوا تحويل مسار تلك الريح والأعاصير، هم لا يملكون إلا الفرار من وجهها ألى الأقبية والسراديب خوفا من الهلاك وحق لهم الفرار فاللهم لطفك.
إن الطبيعة مخلوقة وليست خالقة هي تأتمر بأمر ربها وخالقها ولن تستطيع أن تحيد عن أمره قيد أنملة، وكذلك حاشا لله أن يفلت شيء لم يقدره الله، فيجب احترام العقول، ونحن نعلق كل شيء بالله مهما كيلت علينا الاتهامات بأننا رجعيون في زمن التحضر، لن نتخلى عن إيماننا وعقيدتنا مهما رمينا بالجهل في عصر العلم الجحود، أفمن العدل أنني لا يمكن أكون متحضرًا راقيًا عصريًا إلا إذا جحدت آيات الله وقوته وتصريفه للأمور؟ والله إن هذه لقسمة ضيزى نسأل الله العفو.
إبراهيم يحيى أبوليلى
مقالات سابقة للكاتب