الفتن وموقف المسلم منها

عن أبي هريرة رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “بادِروا بِالأعمالِ فِتَنًا كقِطَعِ الليلِ المظْلِمِ ، يُصبِحُ الرجُلُ مُؤمِنًا ، و يُمسِي كافِرًا ، و يُمسِي مُؤمِنًا ، و يُصبِحُ كافِرًا ، يَبيعُ أحدُهُمْ دِينَهُ بِعرَضٍ من الدنيا قَليلٌ”

رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح . وصححه الألباني.

ومن تحذيره – صلَّى الله عليه وسلَّم – من الفتن قولُه:

“ستكون فتنٌ ، القاعدُ فيها خيرٌ من القائمِ ، و القائمُ فيها خيرٌ من الماشي ، و الماشي فيها خيرٌ من الساعي ، من تشرَّف لها تستَشْرِفُه ؛ و من وجد فيها ملجأً أو معاذًا فلْيَعُذْ به” رواه مسلم

هذه كلمات اجتهدت فيها إن أصبت فمن الله ، وإن أخطأت فمن نفسي ،ومن الشيطان .

إن الواجب وقت الفتن ، واختلاط الحابل بالنابل عدة  أمور :

أولاً :أن نفر إلى الله  فإليه الملجأ في الشدائد والكرب . فنعم الملجأ ،ونعم الوكيل ، ونعم  النصير هو.

قال تعالى:( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) (الذاريات :50)

ثانياً : لنعلم ، ولنعلم أولادنا ، ومن حولنا بأنه لا ملجأ من الله إلا إليه ، وحينما يعتمد المسلم على رأيه ، وذكائه ، وتحليلاته فقط فقد اعتمد على ضعف ، وخور فلا توفيق إلا بالله. (وما توفيقي إلا بالله )

ثالثاً : لنعلم ،ولنعلم أولادنا ،ومن حولنا بأن مدبر الكون هو رب الكون وفاطره، وأن كيد الكافرين في خسار .

رابعاً: لنعلم كذلك أن ما أصاب المسلمين من تفرق ، وذل ، وهزيمة ،ومازال يصيبهم إنما هو بسبب أنفسهم حين ابتعدوا عن دين الله،(ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ) وأن عودتهم إلى عزهم تكون بعودتهم إلى ربهم، قال تعالى ( {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}( الشورى : 30 ) ،  ولا ننس أن الله خاطب المسلمين في أحد وقال {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران: 165).

خامساً : لنتيقن يقينا جازما أن المستقبل والنصر  لهذا الدين كما وعد الله ، وأخبر رسول الله . فلا يأخذنا اليأس بحال من الأحوال .أما كيف ؟ ومتى ؟ فهذا ليس من شأننا ؟ولا أمرنا به ؟ ولم يكلفنا الله به ؛ رحمة بنا فلا نضع الأحاديث على  الواقع بناء على تحليلاتنا التقديرية ، وتفكيرنا المحدود .

سادساً: الرؤى المناميه ليست دليلا  من أدلة الشرع ، ولا ينبني عليها حكم ؛ فقد أخطأ في تفسير الرؤى من هو أفضل منا ، وأقرب إلى الله ، فذلك  أبو بكر الصديق  _رضي الله عنه _ يفسر رؤيا أمام رسول الله  فيقول له : أصبت بعضا  ،وأخطأت بعضا .ونحن نعلم أناسا تبعوا الرؤى فضلوا ،وأضلوا، وهلكوا وأهلكوا .

سابعاً : واجبنا أن نعلم الناس أصول دينهم ،وليعلموا أن النجاة من الخسران في الدنيا والآخرة هو التمسك بديننا الحق القويم.  وأن أعداء الإسلام يعملون جهدهم لصد الناس عن ذلك بما أوتوا من وسائل وحيل  ، وسنرد كيدهم في نحورهم ، ونزهق باطلهم حين نجتهد في تعليم الناس صحيح دينهم ، ونحول بينهم ، وبين ما يريدون لنا من ضلال و تضليل .

ثامناً : أن لا تشغلنا الأحداث ، والفتن، والأخبار ، وتحليلاتها،  وتنبؤات المحللين عن العمل بدين الله ودعوة الناس لذلك . فقد قال رسولنا الكريم :« بلغوا عني ولو آية » .

تاسعاً : أن نعلم ، ونعلم غيرنا حرمة الدماء ، وأن موسى نبي الله _عليه السلام _ قتل كافرا  فقال (َ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (القصص:15) وقال (  رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ) (القصص:16)

فكيف بمن يقتل مسلما متعمدا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ في النّارِ قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال كان حريصا على قتل صاحبه ).

عاشراً : أن لا نتصدر للفتوى ، وتصنيف الناس بناء على أهوائنا ، واجتهادنا ، وأن نحفظ للعلماء قدرهم ، وعلمهم .

نسأل الله أن ينصر دينه ، ويعلي كلمته، وأن يوحد كلمة المسلمين على الحق، وأن يحقن دماء المسلمين في مشارق الأرض ، ومغاربها  وأن يحفظ علينا ديننا ، وأمننا ، وأعراضنا  ،واستقرارنا ، ورخاءنا  ،وولاة أمرنا ، وأن ينجينا من الفتن ما ظهر منها ، وما بطن. وأن يهدينا سواء السبيل ، وأن يتوفنا مسلمين . فهو ولي ذلك، والقادر عليه .

 

د. علي أحمد الصحفي – استشاري طب الأطفال بمستشفى الأطفال بجدة

مقالات سابقة للكاتب

17 تعليق على “الفتن وموقف المسلم منها

ايجابي

مرحبا بك يادكتور
سعداء بمشاركتك القيمة نفع الله بها وكفانا شر الفتن وكما قلت ذاك هو المخرج حفظ الله علينا ديننا وأمننا وبلادنا .
ننتظر مقالاتك الأخرى .

شكيل

والله اني احب هذا الرجل كثيرا
وسعدت بالقرائه لها هنا في الصحيفه

اتوقع فالقادم ستكون منعطفات كثيره جدا
لا من حيث المواضيع ولا التعليقات
 فعلى من لايجيد القيادة ان يلزم المسار الايمن ويطفأ محركه

صاحب قرار

مقال يثلج الصدر شكرا من القلب لدكتورنا الفاضل لن أصرف في مدحك فشهادتي فيك مجروحة
أتمنى منك أن تستمر بمقالاتك

بهذا الفكر ي صحيفة غران سنجني الثمار أتمنى أن لم تكن المقالات على هذا المستوى فلسنا بحاجة لها
من أجمل المقالات التي اطلعت عليها منذ بداية الصحيفه

أبوسعود

لافض فوك
جزاك الله خير على هذا البيان الشافي
كفانا الله وإياكم الفتن ماظهر منها وما بطن

رجاء مستور

حياك ابا احمد
مشاركة ممتازة وأطلالة اجمل
الله يحمينا من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن
اني اقول دائماً الله يكون في عون شباب اليوم
قد ينطبق عليهم حديث القابض على دينه
لما في هذا الزمن من فتن عدة ويتعرض لها بكل سهول او تصل اليه
ليس الفتن فقط بما يحدث في العالم الاسلامي بل في ما يتوفر من
فتن في كل مجالات حياتنا وتقنيتنا فهذا تستوجب مجاهدت النفس
فااللهم احمينا

وأخير ا.
امل المواصلة من حبيبنا ابو احمد مقال لو كل اسبوع وبما انه مدير المكتب التعاوني اتمنى منه
موافاة الصحيفة بالخطب الأسبوعية

وآمل من جميع الاخوة الخطباء والأدباء بغران ان لا يبخلوا على الصحيفة وكذلك الصحيفة تقدم لهم الدعوة
لتكون سباقة للخير
حتى ينتج هناك حرك ثقافية اجتماعية

مصهلل

لافظ فوك ابا احمد واسأل الله ان ينفع بعلمك
فعلا كثرت الفتن والناجي من تمسك بدين الله وسنة نبيه
اسال الله الهدايه للجميع وان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه
لي عتب على بقية مشايخ ديرتنا فحري بهم المشاركه وتنبيه الغافلين ولو كان العذر انهم لا يطلعون على الصحيفه فهنا يكمن دور الاداره في ابلاغهم بما وصل اليه ابناء المنطقه من فكر وحثهم على النصح لهم
اطلاله مميزه وتوجيه نحن بأمس الحاجة اليه
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك

عبدالإله

ليعلم ويتنبه من أثنى على المقالة ومدح ما فيها بأنه يوافق ضمنيًا على هذه الفقرة:

عاشراً : أن لا نتصدر للفتوى ، وتصنيف الناس بناء على أهوائنا ، واجتهادنا ، وأن نحفظ للعلماء قدرهم ، وعلمهم .
عاشراً : أن لا نتصدر للفتوى ، وتصنيف الناس بناء على أهوائنا ، واجتهادنا ، وأن نحفظ للعلماء قدرهم ، وعلمهم .
عاشراً : أن لا نتصدر للفتوى ، وتصنيف الناس بناء على أهوائنا ، واجتهادنا ، وأن نحفظ للعلماء قدرهم ، وعلمهم .

فإن (صنّف) كاتب المقالة أو أحد المثنين المؤيدين لهذه المقالة أحدًا بعد اليوم أو تصدر ليفتي الناس بما ليس له به علم أو انتقص أحد العلماء لرأي لم يعجبه، أنه وقع بذلك فيما نهى الله عنه عباده المؤمنين في قوله عز من قائل ( كبُر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) .
أما أنا فمؤيد للكاتب في تصنيف الأعيان وفي التصدر للفتوى بغير علم أما حفظ قدر العلماء فإني أحفظ لجميع خلق الله قدرهم وأفرق بين ذواتهم المكرمة منه عز وجل شأنه وبين أفكارهم التي هي محل الصواب والخطأ ولذلك هي محل النقد الذي يمس ذات الفكرة ويحفظ ذات صاحبها والذي هو أيضًا محل النقد والتعديل.

سامح أبو جمان

لن تجد من تختصم معه في حب هذا الرجل، فدماثة خلقه مع يمينه المخضبة بمعروفها لآهالي غران وغيرهم جعلته محل حب وإحترام الجميع، فجزاه الله عن الجميع خير الجزاء.

“بلغوا عني ولو آية” ما أجمل هذا التوجيه وأيسره في ضل مانعيشه من ثورة إتصالات يسهل معها تبليغ دعوة الحق، ولو بالنذر اليسير.

الفتن، كفانا الله وإياكم شرورها، هي أكثر من أي وقت مضى محدقةً بنا، وكيفية التعاطي معها أولوية يجب على المسلم أن يحسنها.

عابر

مشكور ابا أحمد على هذه الاطلالة و جزأك الله خير
و لكن لدي تعجب على بعض الردود فهم يثنون على المقالة بشكل كبير
و فيه عدم تصنيف الناس
و في مقالة سابقة في الصحيفة هلكوا الكاتب بكل أدوات التصنيف
هل هذه ظاهرة عادية ام هو نفاق أجتماعي ؟!

غير معروف

جزاك الله خيرا ياابااحمد وبارك الله فيك
ونرجوا من الاخوة المعلقين وخاصة الاخ عابر
ان يتركوا لنا اذهاننا وعقولنا لتصفوا
مما لحق بها مما من المقالات السابقة
والتي كادت ان توصلناالى داحس والغبراء
واعتقد ان المقال السابق صفحته مفتوحته
لمن اراد التعليق عليه ، دعوا هذا المقال بنقائه
وصفائه فهو كصاحبة وفقه الله

هيبــة ملكـ

كلام جميل جزاك الله خيرا
د:علي وبارك الله في علمكم ونفع به وكفانا الله وإياكم شر الفتن
وأنار الله طريقنا إلى سواء السبيل

ابو ضحيٰ

جزاك الله الف خير علي المقال الرائع ونفع الله بك الاسلام والمسلمين

ابو لجين

جزاك الله خير

ابو ملاك

جزاك الله خيرا ابا احمد على ماسطرت اناملك وبارك الله في علمك ونفع بك
ووقانا الله وإياكم شر الفتن ماظهر منها ومابطن عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين

غير معروف

جزاك الله خير

عبدالله أبو شعبة

مرحباً بك يا دكتور و أهلا بك بين اهلك و ناسك

المقال بشكل عام ممتاز … و لكن
أتمنى مزيد من التوضيح عن الفتن
وضرب أمثلة. ولو كان ذلك في مقال لاحق
تفصل فيه بعض مايشكل على الناس

فهناك منا من لم يفهم ما هي الفتنة التي تقصدها في كلامك.
فالحروب التي خلقت بالمنطقة منذ فترة كحرب الروس للافغان
وحرب الخليج الأولى والثانية وأخيرا مايسمى بالربيع العربي كل هذه أوجدت مزيد من الفتن . أعتقد الأمر يحتاج لمزيد من الإيضاح والبسط في القول

كنت ممكن أرد بجملة ( جزاك الله خير و أسكت )
لكن فعلا المقال وضع تساؤلات عدة في رأسي و من ضمنها هل فعلا المسلم ضعيف لهذه الدرجة .؟؟

بالتوفيق لك يا دكتور و أتمنى منك أن لا تنقطع عن هذه الصحيفة و تزيدنا من علمك

أم البنين

الرجوع للعلماء اوصانا به الله عز وحل كلما التبس علينا أمر قال تعالى : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
جزاك الله خير يا دكتور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *