بسم الله الرحمن الرحيم
مـررت على الأمانة وهي تبكي
فقلت: عـلامَ تـنـتـحـب الـفـتاة؟
فقالت: كـيـف لا أبكي، وأهـلي
جـمـيـعـا دون خلق الله.. مـاتوا
بما أننا نعيش في وطن واحد وأمة واحدة فنحن مطالبون بأن نكون منصفين في أحكامنا على مجتمعنا ووطننا وأمتنا التي نحن جزء من نسيجها ولسنا بمعزل عنها، وكذلك نحن مطالبون بتقييم عمل كل واحد منا تماشيًا مع قاعدة التواصي بالحق والصبر، وأنا لا أقصد أن نكون مراقبين، أبدًا؛ ولكن لكي يؤدي كل واحد من أفراد المجتمع عمله على أتم وجه فيجب علينا أن نقول للمحسن أحسنت وللمسيء قد أسأت ونتجنب المجاملة والمداهنة والنفاق الاجتماعي.
يجب أن نرفع قبعاتنا مشكورين ومثمنين عمل كل أب جاهد في تربية ابنه وتنشأته النشأة السليمة الصحيحة ـ التي ترضي الله أولًا وأخيرًا فهو غايتنا ـ وبكل أمانة، وبكل أم ربّت وتعبت في إدارة بيتها كربّانٍ ماهر يجيد توجيه سفينته الوجهة الصحيحة في خضم بحر زاخر وهائج في زمن عاصف وأمواج تتقاذف السفينة في كل اتجاه، أم تجيد فن القيادة حتى ترسو سفينتها إلى بر الأمان ولم تتخلى عن مسئولياتها.
ونرفع قبعاتنا لكل معلم أخذ على عاتقه تنشئة جيل طموح مثابر – ولم يتخذ مهنته الفاضلة التي تكاد تجعله في مصاف الأنبياء لو أدرك ذلك – هذه المهنة مجرد وظيفة يتقاضى أجرها آخر كل شهر دون أن يستشعر المسؤولية في تأدية عمله، يدخل فصله متململًا متضجرًا ويستمر في النظر إلى ساعته يترقب الوقت يريد سحبه سحبًا ويتساءل متى ينتهي ويدق جرس نهاية الحصة؟ ليهرول إلى خارج الفصل وكأنه مطارد، أو يظل يقلب صفحات هاتفه ويتصفح فيه راميًا خلف ظهره كل مسؤولياته كمعلم، نعم لن نرفع قبعاتنا ولن ترفع كل الأجيال القبعات لمعلم هذا ديدنه وهذه صفته.
نرفع قبعاتنا لمسؤول استأمنه ولي الأمر على عمل فقام بتأديته بكل أمانة وجعل قائده في هذا مراقبة الله الذي يعلم السر وأخفى، هنا لن تحدثه نفسه بغير حفظ ما اؤتمن عليه، وعكس ذلك لن نلمس قبعاتنا عوضًا عن أن نرفعها لمسؤول ائتمن فأخذ يفرك كفيه فرحًا أن وسد الأمر إليه وفي نيته سلفًا أن ينقض على الأمانة ليغتالها، نعم في نيته الفساد والتخطيط فقط كيف يجمع الأموال الطائلة في أسرع وقت واضعًا نصب عينيه القاعدة (أنا ومن بعدي الطوفان) يقول في قرارة نفسه فلتذهب المثل العليا إلى الجحيم طالما إنني سأستفيد، وإذا حدثته نفسه اللوامة راوغها وخادعها بأن الكل يفعل ذلك، وإذا ما جادلته رمى بتلك الحلوة التي يخادع بها الأب طفله لكي يرعوي ويسكت ونسي في خضم الجشع والطمع؛ نسي قول الله تعالى ( يخادعون الله وهو خادعهم ) أنا هنا أتحدث عن كل مسؤول استرعاه الله أمانة فلم يؤدها وتلاعب بها، فليتحسس كل منا رأسه بأمانة وصدق وليفتش كل منا عن مواطن الخلل في نفسه التي بين جنبيه.
كان الناس في الماضي يهربون بكل ما آتاهم الله من قوة من تحمل أية مسؤولية خشية الحساب، ومن كانت هذه صفته فهو أعرف الناس بالله، ولم يستطع الشيطان نصب شراكه له وإلقاء دسائسه في طريقه، ووالله لو عرف الإنسان ما ينتظره لبكى بكاء المرأة الثكلى بدل أن يفرح حين يكلف بعمل، وها نحن نفرح الفرح الشديد بتحمل المسؤولية لجهلنا ما ينتظرنا.
نرفع القبعات لكل صحفي آثر إيصال الحقيقة إلى الجمهور ناصعة جلية نقية، وبذل الجهد في التقصي ورمى خلف ظهرة الفائدة الآنية ونبذ حب الظهور والثناء ولم يماري في الصدق ولم يكذب أو يدلس أو يتخلى عن مبادئه، وقد علم أن القلم أمانة والكتابة مسؤولية عظمى وأنه محاسب على الكلمة والمعلومة، وعلم أن كلمته باقية في عقبه وشاهدة له أو عليه، وأنه يخط في صحيفته ولم تخدعه المظاهر والبهرجة عن نفسه، وكذلك كل كاتب ومحرر بل حتى الناقل ليس بمنئى عن السؤال.
وليس معنى هذا أن تتخلى الأمة برمتها وكل أفرادها عن تقبل أي عمل يوسد إليه هذا من إغراء القول، ولكن نطالب باستشعار المسؤولية واستحضار المراقبه الذاتية، وقد يقول قائل أنت تعيش في عالم المثالية، أقول: القبر صندوق العمل، وليحذر الإنسان أن يفاجئه الحساب، فليس ثمة ندم بعد ذلك.
ياسادتي المسؤولية والله جد عظيمة، واللقمة نوعان: إما حلال أو حرام، فإن كنا نؤمن أننا ملاقون الله فلنختر ما يخلصنا حين الوقوف بين يديه غدًا.
وأعترف بأنه قد يصلح هذا المقال لزمن مضى وولّى، أما اليوم فإني أعلم علم اليقين أن مقالي هذا سواجه منتقدين كثر، ولكن لا مناص من قول الحقيقة حتى ولو آلمت؛ فإنها ستظل حقيقة ولن تنقلب عكس ذلك مهما حاولنا.
وحتى في رفعنا للقبعات يجب أن ترفع بأمانة وإلا انتظمنا في سلك من استنكفنا رفع القبعات لهم.. ربما لا يخلو واحد منا من الوقوع في هذا الامتحان الصعب فلسنا ملائكة، ولكن بما بيننا من أخوة إسلامية إيمانية يجب علينا التناصح والتواصي كما أمرنا الله.. نسأل الله العفو والعافية لكل البشر.
إبراهيم يحيى أبوليلى
مقالات سابقة للكاتب