سبق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وبوحي من رب العالمين كل ما جاء به العلم التربوي الحديث، فما نراه اليوم أو نسمعه أو نعقله تنبأ به رسولنا عليه الصلاة والسلام قبل ألف سنة ويزيد.
القبسات الإشرافية التالية قبسات نبوية صالحة لكل زمان ومكان يجد فيها المشرف التربوي ما يغني عن مطالعة عشرات الكتب في أساليب الإشراف الحديث.
كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا وأكرمهم وأتقاهم، عن أنس رضي الله عنه قال” كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا” -الحديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي.
وعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت” ما رأيت أحسن خلقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم”- رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن.
قال تعالى مادحًا وواصفًا خُلق نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) ﴾. (سورة القلم) .
قالت عائشة لما سئلت رضي الله عنها عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام (كان خلقه القرآن) صحيح مسلم، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: “ومعنى هذا أنه صلى الله عليه وسلم صار امتثال القرآن أمرًا ونهيًا سجية له وخلقًا، فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه، هذا ما جبله الله عليه من الخُلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خلق جميل.
عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو – بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: ” أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي القُرْآنِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45]، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ، وَلاَ صخَّاباً فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ المِلَّةَ العَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا.
* عدله صلى الله عليه وسلم :
كان عدله صلى الله عليه وسلم وإقامته شرع الله تعالى ولو على أقرب الأقربين.
قال تعالى: ( يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا( (135) ( سورة النساء) .
قال عليه الصلاة والسلام في قصة المرأة المخزومية التي سرقت: (والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد، لقطعت يدها).
* كلامه صلى الله عليه وسلم :
كان يتكلم بكلام فصل مبين، يعده العاد ليس بسريع ولا يُحفظ، ولا بكلام منقطع لا يدركه السامع، بل هديه فيه أكمل الهديِّ، كما وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها: ( ماكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا، ولكن كان يتكلم بكلام فصل يتحفظه من جلس إليه) متفق عليه.
وكان عليه الصلاة والسلام لا يتكلم فيما لا يعنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وإذا كره الشيء: عُرف في وجهه.
* أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال:
عن أنس رضي الله عنه قال : كان صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم – رواه البخاري واللفظ له ومسلم.
كان صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتتن أمه.
* أخلاقه صلى الله عليه وسلم مع العاملين :
ومع هذه الشجاعة العظيمة كان لطيفًا رحيمًا فلم يكن فاحشًا ولا متفحشًا ولا صخابًا في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح.
عن أنس رضي الله عنه قال” خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال أف قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا”- رواه الشيخان وأبو داود والترمذي.
وعن عائشة قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادمًا له ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئًا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله.
عن عائشة رضي الله عنها قالت” ما خير رسول الله بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما مالم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه وما انتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم”
رحمة النبي صلى الله عليه وسلم:
قال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ((107) (سورة الأنبياء)
وعندما قيل له ادع على المشركين قال صلى الله عليه وسلم: (إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة) -رواه مسلم.
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا، فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا، فرفق بهم، فارفق به)، وقال صلى الله عليه وسلم في فضل الرحمة: (الراحمون يرحمهم الله، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) رواه الترمذي وصححه الألباني.
قال صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة الذين أخبر عنهم بقوله: (أهل الجنة ثلاثة وذكر منهم ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم) رواه مسلم.
* عفو النبي صلى الله عليه وسلم :
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه – قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( دعوه ولا تزرموه)، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن) قال: فأمر رجلًا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه. رواه مسلم.
* تواضعه صلى الله عليه وسلم :
كان صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة الحر والعبد والغني والفقير ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر.
وكان صلى الله عليه وسلم سيد المتواضعين، يتخلق ويتمثل بقوله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(83)﴾ ( سورة القصص)
* صبر النبي صلى الله عليه وسلم:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبر على الأذى فيما يتعلق بحق نفسه وأما إذا كان لله تعالى فإنه يتمثل فيه أمر الله من الشدة، وهذه الشدة مع الكفار والمنتهكين لحدود الله خير رادع لهم وفيها تحقيق للأمن والأمان.
قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ (29)) (سورة الفتح)
ومن صبر النبي -صلى الله عليه وسلم – أنه عندما اشتد الأذى به جاءه ملك الجبال يقول: يا محمد إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم- بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا، والأخشبان: جبلا مكة أبو قبيس وقيقعان.
* تعاونه صلى الله عليه وسلم :
قال عليه الصلاة والسلام: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه).
(عن أبن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين والعبد حتى يقضي له حاجته) رواه النسائي والحاكم.
* مجلسه صلى الله عليه وسلم :
كان يجلس على الأرض، وعلى الحصير، والبساط، عن أنس رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع يده، ولا يصرف وجهه من وجهه حتى يكون الرجل هو يصرفه، ولم ير مقدمًا ركبتيه بين يدي جليس له- رواه أبو داود والترمذي بلفظه.
عن أبي أمامه الباهلي قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئًا على عصا، فقمنا إليه، فقال لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضًا- رواه أبو داود أبن ماجة وإسناده حسن.
ومن ذلك شفقته على من يخطئ أو من يخالف الحق وكان يُحسن إليه ويعلمه بأحسن أسلوب، بألطف عبارة وأحسن إشارة، ومن ذلك لما جاءه الفتى يستأذنه في الزنا.
فعن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ قال: (إن فتى شابا أتى النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا!، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: ادنه، فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟، قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟، قال: لا واللَّه، يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال أفتحبه لخالتك؟ قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه وقال: اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحَصِّنْ فرْجَه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء) رواه أحمد).
وقد انتهج النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في دعوته ولطيف أسلوبه للناس كلهم حتى شملت الكافرين، من سبب ذلك أن أسلم ودخل في دين الله تعالى أفواج من الناس بالمعاملة الحسنة والأسلوب الأمثل، كان يتمثل في ذلك صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل : {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ (12) } ( سورة النحل)
إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أسيء إليه يدفع بالتي هي أحسن يتمثل ويتخلق بقوله تعالى : {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (34 – 35)} (سورة فصلت)
تلك قبسات من نور، وما أروع أن يتمثلها المشرف التربوي في تعامله مع الآخرين ، تلك دعوة لأن نقتدي بهدي رسولنا الكريم فهو خير الهدى، وما أجمل أن نتحرى ما كان يتحراه الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل خير البشرية فتتحقق الفائدة ويعم خيرها.
المرجع/ منقول بتصرف من كتاب تطبيقات في الإشراف التربوي للدكتور أحمد جميل عايش ومنه مقتبس عن مواقع إلكترونية لبعض المشايخ الأجلاء مع التعديل البسيط.
المشرفة التربوية : أمل محمد الرايقي
مقالات سابقة للكاتب