ِبسم الله الرحمن الرحيم
هذه صرخة محب للإنسانية جمعاء وللناس جميعًا بكل أطيافهم وألوانهم ومشاربهم بل ومعتقداتهم في زمن طغت فيه الماديات على الروحانيات، إلى الذين يظنون أن هذه الحياة إنما هي مجرد ماديات خالية من أية روح، إلى الذين يستيقظون كل صباح ويهرعون إلى أعمالهم بلا غاية إيمانية ويلهثون فقط وراء المادة ويرون أن الإنسان إنما هو مجرد آلة نفخت فيها روح لتعمل وتعمل إلا أن تتلف ثم تلقى مجهولة المصير كخيول الجيش تطلق عليها رصاصة رحمة بزعمهم، وإنما هو انكار خطير للجميل، ثم يقوم غيرها بإكمال الدور المناط بها وهلم جرى، وغايتها فقط توفير بل تكديس الأموال بأية طريقة ووسيلة كانت.
إلى الذين ينتابهم القلق من قلة أو ضيق الرزق والخوف من المستقبل، إلى الذين يظنون أنهم قادرون على تغيير مستقبلهم بقوة إرادتهم فقط دون تدخل العناية الإلهية ويتخذون من مبدأ قارون قاعدة لهم ( إنما أوتيته على علم عندي)، إلى من كفر بالروحانيات واعتبرها مجرد خزعبلات ودروشة وتشتيت مصير وغباء مقنن أو مأدلج، إلى الذين يبحثون عن حلول لمشاكلهم المعقدة في التكنولوجيا والفن الفاحش والصناعات، وفي الدراسات والنظريات النفسية المادية الحديثة التي اخترعها مخترعوها وظنوا بل اعتقدوا أن الحياة الدنيا هي الغاية ولا شيء بعدها، وأن الذين يعتقدون بالغيبيات إنما هم مجرد أغبياء فاشلون يبحثون عن حلول لفشلهم في الاعتقاد أن هناك حياة اخرى يعوضون فيها ما فاتهم في حياتهم الدنيوية وأن فكرة الحياة الأخرى مجرد وهم وهراء، وأن بالموت ينتهي كل شيء، في حين أن العقل السليم بل وكل الفطر السليمة الخالية من الشوائب و كل مافي الوجود ينبأ بما لا مجال للشك أو الريب أن بالموت يبدأ كل شيء؛ تبدأ الحياة الحقيقة ويبدأ الخلود.
نعم أقول للذين بهرتهم نظريات لم يحاولوا ولو مجرد محاولة على تفنيدها ومعارضتها بفكر متقد وعقل واعٍ؛ بل أخذوها بكل ما فيها من عيوب، ومن المعلوم أن أية فكرة أو نظرية لا تخلو من عيوب ينافحون ويدافعون عنها تعصبا وعنادًا.
إلى الذين تكاسلوا وناموا ملء جفونهم وآثروا الدعة والسكينة وحب الراحة وأوغلوا في حب التفاخر بالمأكل والمشرب والملبس وأشربوا قلوبهم حب الكماليات التي لا طائل منها سوى ضياع الوقت والجهد والمال، ثم أخذوا يشتكون ويتباكون من قله المعيشة وضيق الحال.
إلى الذين يأتون إلى الحياة ويخرجون منها دون أن يتركوا أية بصمة يستفيد منها الناس وتنتفع بها الأجيال؛ رحلوا وكأنهم في الأرض ما وجدوا، إلى التائهين في ظلمات الجهل بحقيقة الحياة، وهمهم فقط ملء بطونهم وإشباع رغباتهم وشهواتهم، إلى الذين يؤمنون بقاعدة الغاية تبرر الوسيلة أيا كانت الوسيلة.
إلى الذين احتقروا بني الإنسان لمجرد أنه مخالف لهم في جنسهم أو وطنهم أو قوميتهم أو لونهم؛ ونادوا بالعنصرية البغيضة والمناطقية والشعوبية والطائفية وكل النداءات الباطلة التي لم ولن تأتي للإنسانية بخير أبدًا ولم يستطيعوا أن يقدموا للبشرية سوى العدواة والفرقة والبغضاء.
إلى كل هؤلاء وأولئك أقول إن الحياة ليست كما تظنون وتعتقدون؛ عليكم أيها التائهون في دروب الضلال أن تراجعوا أنفسكم وتصححوا حساباتكم وتعدلوا مسار أفكاركم عن الانحراف الذي يسيطر عليها، أقول لهم إن الحياة لا تحتاج إلى كل هذا الجهد وهذا العناء الذي يقطع الأنفاس، فالكيت الكيت وكما قال سيد ولد آدم ﷺ ((فإن المُنْبَتَّ لا أرضا قطع، ولا ظهرًا أبقى)).
فعلينا أن نسير إلى غايتنا بروية ونلزم جناب الله؛ فإنه لا يضيع من لزم جانبه، ولا يضيرنا لمز وغمز وهمز الذين يرموننا بالتخلف والرجعية لأننا علقنا كل أمورنا بالله، فإنه لا حول لنا ولا قوه إلا به وحده.
أقول لهم انظروا إلى الأمور بقلب واعٍ وفكر نقي خالٍ من شبهات الدجالين الذين يقلبون الحقائق ويعيشون بلا هدف إيماني يطمئن له القلب السليم، فالإنسان خلق ليكون خليفة يعمر الأرض بالحق وفي الحق وللحق، هذا موعود الله، ولن يخلف الله وعده، هذا يقين نعيش عليه ونموت بإذن الله ونبعث حين نبعث عليه، والسلام.
إبراهيم يحيى أبوليلى
مقالات سابقة للكاتب