نستكمل في هذا الجزء ما تبقى في هذا الموضوع ، وسوف أتحدث في البداية عن حصول الرغبة حيث ذكرنا في الجزء السابق أن الخطر الذي يحصل عند مشاهدة الصور التي بها أنواع من المخدرات أو العنف، فإن رؤية الصور تؤدي إلى إثارة الرغبة لدى المتلقي.
ولنعرف كيف تحصل الرغبة علينا أن نعرج قليلًا إلى علم النفس، وعلم الأعصاب لذكر نبذة بسيطة عن كيفية عمل الدماغ فيما يسمى بالمكافأة ، فإن في علم النفس هناك مسار عصبي يسمى مسار المكافأة Reward Pathway ، وهذا المسار يتألف من عدة أجزاء من الدماغ منها منطقة الساق البطني، النواة المتكئة Nucleus Accumbens وهي المنطقة المسؤولة عن المكافآت بالدماغ البشري، وهي تنشط عند حصول الإنسان على أي رغبة ، فعندما تنشط المعلومات المنقولة من خلال مسار المكافأة عن طريق محفز ذو تأثير قوي مثل الغذاء والماء وغيرها، فإن المعلومات تنتقل من المنطقة السفلية البطنية إلى النواة المتأخرة ثم تصل إلى قشرة الفص الجبهي من خلال موصل عصبي يسمى الدوبامين Dopamine والذي بدوره يجعل الشخص لديه الرغبة بمعاودة التجربة أو إستخدام المثير الذي أثاره وجعله يحصل على النشوة التي يطلبها ، ولهذا يتكرر الفعل كلما شعر الشخص برغبة إلى مكافأة جديدة، أي إستخدام جديد من خلال أي مثير يتعلق بالأمر الذي أثاره.
ولنعود إلى تحريم النظر(غض البصر)، فإن النظرة الأولى تكون عفوية وربما يحصل منها شعور بالرغبة إلى إعادة النظر، ونفس الشيء يحصل عند النظر إلى صور إباحية أو صور مخدرات وغيرها ومع تكرار النظر إلى الصور تتصاعد الرغبة للحصول على المكافأة وهي النشوة، وهذه تأتي للأشخاص الذين قد أستعملوا بعضًا من هذه المخدرات في السابق فإنهم تولدت لديهم تجربة وخبرة لتأثير تلك المخدرات على أدمغتهم وبالتالي على عقولهم ثم تصرفاتهم ، ولهذا فإن رؤية الصور تعمل على إستثارة العقل وتحرك الموصلات العصبية في المسارات الموجودة بها سابقًا، خاصةً إن كانت فترة التعاطي قريبة العهد من رؤية الصور وبهذا يتولد لدى المشاهد ذو الخبرة السابقة نفس الشعور الذي مر به أثناء التعاطي وربما هذا يعيده إلى تعاطي المخدرات مرة أخرى ، أما بالنسبة للشباب والصغار فإن رؤية الصور قد تكون جاذبة لهم للتجربة وفي هذه الحالة يكون المثير هو ما يرونه من أفلام يكون فيها البطل مدخنًا أو في بعض الحالات يشرب مسكرًا أو يتعاطي مخدرًا ليستجمع قواه للقيام بعمل بطولي في الفيلم ، والذي هو نوع من الوهم ينشرونه في بعض الأفلام ولهذا فإن التأثيرات ليس لها حدود ولا أعتقد أن هناك من يستطيع أن يجزم بأن الصور لا يمكن أن تؤثر.
إن التعرض المتكرر للصور أو المناظر السلبية يجعلها تبدو وكأنها واقعًا مسلمًا به في الحياة ولهذا عندما تحدث في الواقع الحقيقي تكون ممانعتها أو معارضتها أقل جهدًا ، ويكون تقبلها والإنجراف معها أسهل من معارضتها، وسأضرب مثلًا بسيطًا، فإن إنكسر لدي أي شخص أحد الأفياش في الجدار وبرزت منه أسلاك بها كهرباء خطرة، فإنه سينبه أهل البيت كلهم بأن هناك سلك خطر وعليهم أن يبتعدوا عنه، فتمر الأيام وهو لم يصلحه حتى يصبح منظر الأسلاك مألوفًا لدى الجميع وكأنه أمر طبيعي وكأن الخطر قد ذهب منه مع أن الخطر لازال موجود في الأسلاك، وحيث أن العين لا ترى الكهرباء التي تسري في الأسلاك فإن أهل البيت مع مرور الأيام يستقبلونه كأمر عادي، ولو حدث أن إنكسر فيش آخر وبرزت منه أسلاك فلن يكون الحذر منه بنفس درجة الحذر من الفيش الأول عند بروز الأسلاك منه في المرة الأولى لأن العين تعودت والعقل تبرمج وأصبح مالوفًا.
فحسب الدراسة التي أجريت في كل من معهد الدراسات العصبية في جامعة سانتا بمونتريال كندا، ودراسة أخرى أجراها قسم علم النفس بجامعة يال الإمريكية قام بها مجموعة من الدكاترة والباحثين ، وهم : A. Dagher و D.M. Small و L. K. Fellows و D.W. Tang ، على عدد من الأشخاص الأصحاء عن تأثير الإشارات الغذائية (صور الطعام) على الدماغ لإثارة الجوع والسلوك الغذائي وكذلك تأثير إشارات (صور) المخدرات إلى إثارة الرغبة والشغف بما يؤدي إلى سلوك نحو تعاطيها لدى المدخنين ومستخدمي المخدرات، ويؤدي إلى إنتكاسة عند المدخنين ومتعاطي المخدرات الذين هم في طور العلاج للتعافي ، حيث أجرى الباحثين دراسات بتصوير التفاعلات التي تجري في الدماغ فوجدوا بأن إزدياد الرغبة للحصول على ما يسمى بالمكافأة من خلال مسار المكافأة وهي المتعة التي يحصل عليها الشخص تتساوى في الحالتين من رؤية الصور أو الإشارات أيًا كان نوعها، وهذه الرغبة والشغف تحدث في مناطق عدة من الدماغ والتي لها علاقة مباشرة بالسلوك البشري.
وقد استخدم في الدراسة نظام بوبميد (PubMed) وهي وسيلة للدخول على الأبحاث في المركز الوطني الأمريكي للبحوث، للإطلاع على دراسات سابقة في تصوير الإشارات التفاعلية التي تم خلالها مقارنة استجابة الدماغ لإشارات الأغذية البصرية أو إشارات التدخين إلى الإشارات المحايدة.
وقد تم الإطلاع على 14 موضوع لأوراق علمية لأبحاث أخرى تتعلق بالغذاء بطريقة التحليل التلوي الغذائي (Meta-analyses ) ، وكذلك 15 موضوع لأوراق علمية تتعلق بالتدخين وأوراق علمية أخرى تتعلق بالشغف على التدخين والغذاء من خلال مشاهدة الصور أو الإشارات البصرية.
وكذلك أجريت دراسات على نفس الموضوع ومواضيع مشابهة في جامعة فيرجينا تيك بأمريكا، وجامعة ألباما بأمريكا، فتحصلت الدراسات على نتائج مشابهة ، حيث تمت الأبحاث على مجموعة من الطلاب إذ عُرض عليهم عدد من الأفلام التي بغير عنف وتم قياس مستوى السلوك العدواني لديهم ، ثم عُرض عليهم فيلم واحد مليء بالعنف وتم قياس مستوى السلوك العدواني لديهم فوجدوا بأن السلوك العدواني قد أرتفع بشكل ملحوظ.
بعد كل هذا .. هل هناك شك بأن – التعرض للصور الإباحية وصور المخدرات والأفلام المليئة بالعنف وألعاب الفيديو القائمة على العنف والغش والكذب – ليس لها تأثير سلبي على سلوك الأطفال والشباب وحتى الكبار عند التعرض لها؟!
آمل أن أكون قد أعطيت الموضوع حقه، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يحمينا ويحمي أطفالنا وشبابنا وكبارنا وبلدنا من كل سوء.
عبدالعزيز بن مبروك الصحفي
مقالات سابقة للكاتب