بسم الله الرحمن الرحيم
أرسل لي صديق صورة منصة لبيع الكتب في مقاطعة كامبريدج في المملكة المتحدة، وهذه المنصة قد وضعت في الهواء الطلق في مكان يشبه الحديقة وليس هناك بائع بل وضعت لوحة كتب عليها عبارة (القراء لا يسرقون واللصوص لا يقرأون).
شيء جميل جدًا، وهذا يدل على الرقي الفكري والأخلاقي حيث استطاع الناس أن يتغلبوا على أنفسهم ويصلوا إلى الرقي الذي تنشدها كل الأمم، ولكن ليست هنا المشكلة، ولكن القضية تلخصت في أن معظم الذين أعادوا إرسال هذه الرسالة إليهم اتفقوا على عبارة واحدة: أن هذه المنصة لو كانت عندنا لكانت تعرضت للسرقة أو الإتلاف أو أي شيء مما يخجل الإنسان، وأعقبوا عبارتهم هذه بكلمات للأسف، وأنا بدوري تأسفت كثيرًا لما وصلت إليه حالنا، فهل أصبحت بلاد المسلمين يضرب بها المثل للفوضى واللامبالاة؟
وهنا أستحضر عبارة أحد الذين سافروا إلى الدول الأوربية فلما عاد إلى وطنه قال (لقد وجدت هناك إسلامًا بلا مسلمين، ووجدت هنا مسلمين بلا إسلام) فهل هذا هو ما تعلمناه من إسلامنا؟ والكل متفق بما لا مجال للشك أو الريب أن الإسلام هو دين مكارم الأخلاق لأن نبينا صلى الله عليه وسلم، هو قرآن يمشي على الأرض وكلنا يعلم ما هو القرآن وما فيه من قيم وأخلاق نبيلة اتفق على ذلك محبوه ومناوئوه، فشمس الحقيقة لا يمكن أن تغطى بغربال.
أليس كان من الواجب أن يكون كل واحد منا سفيرًا للإسلام؟ كيف انتشر الإسلام في كل أصقاع الدنيا وهو الدين الذي بدء برجل وامرأة وغلامين؟ وها هو قد بلغ معتنقوه من كل الأجناس والقوميات والإثنيات ما يربو على ألف وسبعمائة مليون إنسان، ونستطيع أن نجيب على هذا السؤال؛ هو أن الذين نشروا الإسلام كانت أياديهم متوضئة وكانت نفوسهم كبيرة كمساحة الأرض التي نشروا فيها الإسلام وأكبر.
نعم نبذوا كل مظاهر الأنانية وحب الذات والبغض والحسد والأنا التي ويا للأسف قد اتخذناها اليوم، ولا يخجل الإنسان منا أن يحقد على أخيه المسلم الذي يصطف معه في المسجد بل أصبح البعض يتفاخر بكرهه لأخيه ومن ينكر ذلك فعليه أن يتصفح ما ينشر على قنوات التواصل التي أصبحت مرتعًا لكل الموتورين بلا حق، والذين ينادون علنا بالعنصرية البغيضة وأشربوا قلوبهم كره الآخر وبحجج واهية لا تصلح حتى للذكر لأنها مخجلة.
إن منصة كامبريدج تفضح وتعري كل المدعيين الذين يرفعون عقيرتهم بالأخلاق ظاهريًا، فإذا ما قدر لك التعامل معهم فسوف تجد البون الشاسع بين ما يقولون وما يفعلون، لذلك لا يجب على المرء أن يحكم على الإسلام بأهله في هذه الآونة، بل عليه أن يتأمل روح الإسلام من خلال كتاب الله وسنة نبيه، وسير أولئك العظماء الذين فتحوا الدنيا بكلمة الحق قولاً وفعلاً وعملاً فقد اتخذوا بحق الإسلام وكتابه نبراسًا وقائدًا ودستور حياة.
وأنا في مقالي هذا لا أعمم؛ بل إن هناك من المسلمين ليجسدون الإسلام الحقيقي الذي جاء به نبي الرحمة، نعم مازالت في الأمة أيادٍ متوضئة نظيفة تمسك بإحداها مصحفًا، والآخر غصن زيتون كناية على السلام والوئام وحب الإنسان والإنسانية؛ يتعاملون مع كل البشر، كما أمر الله وكما عرفوا عن سيد الخلق الذي علم الدنيا كيف يكون التواضع وخفض الجناح والرحمة حتى للحيوان الأعجم.
إن الدين الذي علم أتباعه أن إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإن ذبحتم فأحسنوا الذبحة، والذي أمر معتنقيه أن لا يحد أحدًا شفرته أمام الدابة رحمة بها، كيف يستغرب أهله من منصة في زاوية قصية من هذا العالم الذي نحن جزء منه لبيع الكتب وضعت بدون بائع؟
هذا دافع لأن يراجع كل فرد منا نفسه ويصحح عقيدته بصدق، فإن فعلنا نكون بحق قد استحققنا بجدارة أن نكون خير أمة أخرجت للناس، وبدون ذلك أخشى أن نبقى تائهين يحدونا العجب من كل أمة ارتقت بأخلاقها وقيمها ومبادئها، وننشد الرقي فتقعد بنا الهمم فيعتصرنا حينئذ الندم، والتاريخ لا يرحم الضعفاء المنهزمين أمام أنفسهم.
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب