يولد الطفل فينا بعد عناء من حملة في بطن أمه وكلنا يعلم ما قاست من آلام الحمل والوضع وسط قلق وهم وترقب من الأب ثم يأتي المولود باكيًا باحثًا عن طعامه وهو يعلم أين هو بما حباه الله من غريزة وينشأ في وسط حرص من الأم والاب ويكبر رويدا رويدا وهما يلاحظانه بعين ساهرة وقلب خفوق، فما إن يلم به عارض من سقم حتى يهرعان به إلى الطبيب وأكف الضراعة منهما مرتفعة لخالق السموات والأرض أن يشفيه ثم يكبر وهو يشتد عوده ويشب عن الطوق وهما فرحان به.
نعم إن هذه العناية من قبلهما تحتاج إلى رد للجميل من قبل الأبناء فكيف ذلك إن ما دعاني لكتابة هذا المقال حين رأيت بعض الآباء والأمهات يتضجرون من أمر يعلم الله لو أن الأبناء استشعروا فظاعته وخطورته لما أقدموا على فعله فكل العجب بعدما كبر الولد اخذ ينادي أباه بالشايب أو الشيبة وأمه بالعجوز أو العجوزة.
وهذه المسميات لا تليق بأن ينادى بها من تعب وربى ليس من الإنصاف بل هو قلة احترام وأخشى أن يصل الأمر إلى العقوق من قبل الشباب أن يصفوا آبائهم وامهاتهم بهذا الوصف لأن هذا الوصف يجرح شعورهما فليتذكر من يفعل ذلك أنه عندما كان طفلا غريرًا كانوا ينادونه بأحب الأسماء بل ويدللونه ويهدهدونه في سريرة والبهجة تملأ محياهما أو حين كبر فبدلا من أن يرد بعض الجميل، لأنه مهما حاول فوالله لن يستطيع ولو أعطي مثل عمره عشرات المرات أن يرد طلقة واحدة من التي عانت منها تلك الأم حين ولادته ولا لحظة من لحظات القلق من قبل الأب الذي كان يذرع أرض المستشفى جيأة وذهابا وهو يدعو الله أن ينجيه ويحفظه بعينه التي لا تنام، أو بعد هذا كله يتطاول الشباب وهم في لهوهم ولعبهم وينعتون أباهم وأمهاتهم بهكذا وصف لقد جانبهم الصواب في هذا وأسأل الله أن يهديهم ويبصرهم بعيوبهم.
ولا يقولن أحد أنهم فعلا قد شابوا فهو لم يصفهم بصفة ليست فيهم أقول إن الإسلام أمر أتباعه أن يحسنوا في كل شيء وأن يختاروا أحسن وأفضل الأسماء لأبنائهم، فمن باب أولى أن ينادي الابن أباه أو أمه بأحب الأسماء إليهم ويصفونهم بالأوصاف التي تفرحهم هذا من البر وعكس ذلك يعتبر من الجحود والعقوق ونكران الجميل وللأسف كم سمعنا ونسمع من هذه الأوصاف من قبل الأبناء نحو والديهم بل الأدهى من ذلك والأمر أن الشباب هداهم الله أصبحوا يشتمون بعضهم بعضا ويصفون بعضهم بعضا بسب الوالدين ويزعمون أنهم يقولون ذلك على سبيل الدعابة والمزاح.
ولا أدري متى كان اللعن والسبب يندرج في خانة اللعب والمزاح وأخشى ما أخشاه أن يتعود اللسان على سب وشتم الآباء والأمهات فتصبح سمة وعلامة وعادة فلا يستطيع أن يتخلى عنها من هذا ديدنه وأنه لعلى خطر كبير أن إن استمر على هذا وعليه أن يمعن الفكر والعقل.
فيا أيها الشباب والله أننا بكم مشفقون وحريصون على أن لا تستجلبوا لأنفسكم غضب الله ومقته وأنتم في لهوكم ولعبكم ماضون (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) تأدبوا مع والديكم تفلحوا ويكتب لكم ربكم التوفيق فإن دعوة واحدة من أب أو أم لكفيلة لأن تكتب لكم سعادة الدارين بها وغدا سوف تكونون آباء وأمهات فما أظن أنكم ترضون أن يفعل بكم أبنائكم ويصفونكم بما تصفون به اليوم والديكم فاحذروا، ولا يلعبن الشيطان بكم فيظهر لكم أن ما تفعلونه لمجرد المزاح فإن حق الوالدين من حق الله فإن الله لا يرضى بالظلم فجردوا أنفسكم من كل مظهر لا يليق بكم كمسلمين.
وقد أمرنا بصون حق الآباء والأمهات فلا يطلبونكم غدًا بهذا الحق فتعجزوا عن سداده فتعضون بنان الندم ولات حين مندم.. أسأل الله أن يلهمكم ويلهمنا رشدنا وأن يردنا إليه مردا جميلا.
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب