دافع سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية رئيس هيئة كبار العلماء، الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، عن صحيح البخاري، وقال: «نحبه ونقدره، ونرى العمل به واجبًا، والطعن فيه إما لجهل أو ضلال والعياذ بالله».
موضحاً أن «الطعن في أئمة الإسلام الأعلام الذين تلقت عنهم الأمة بالقبول هو علامة زيغ في القلب، نسأل الله السلامة والعافية».
مؤكداً أن «من زعم أن صيام عاشوراء أكذوبة لا يخلو من هذين الحالين»، حاثًا عموم المسلمين على الصيام اليوم الأحد التاسع من محرم، وكذا غدا الاثنين يوم عاشوراء.
جاء ذلك في حديث لسماحته في برنامجه الأسبوعي «ينابيع الفتوى» الذي تبثه إذاعة «نداء الإسلام» من مكة المكرمة، ويعده ويقدمه يزيد الهريش.
وقال سماحة المفتي في مطلع حديثه : «شهر محرم هو أول شهور العام الهجري، لما أراد أمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه – أن يضع تاريخًا لدولة الإسلام بحث مع الصحابة، فاتفق رأيهم جميعًا على أن محرم هو مبدأ العام؛ لأنه وقع بعد حج بيت الله الحرام، فجعلوه أول العام، واتفق الصحابة على ذلك، بأن محرم أول شهور العام الهجري، هذا أمر لا إشكال فيه».
واستطرد سماحته: «النبي (صلى الله عليه وسلم) قَدِم المدينة مهاجرًا، فرأى اليهود يصومون اليوم العاشر من محرم، فسألهم: لماذا؟ قالوا: هذا يوم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا لله، فنحن نصومه شكرًا لله. فقال (صلى الله عليه وسلم): (نحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه)».
وتابع: «حقًا، إن أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) أولى بالأنبياء كلهم، قال جلّ وعلا: {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين}. فأمة محمد (صلى الله عليه وسلم) يؤمنون برسالات جميع الأنبياء، ويعتقدون أنها حق، وأنهم أدوا ما أوجب الله عليهم، ونصحوا أمتهم، كما بيّن الله ذلك في الكتاب العزيز».
وأفاد : «فدلنا ذلك على استحباب صيام هذا اليوم شكراً لله على إنجاء موسى وقومه؛ لأننا أولى بموسى ممن كفر به من اليهود؛ فنحن أولى وأحق بموسى كما قال (صلى الله عليه وسلم) الذي صام هذا اليوم وأمر بصيامه؛ فدلنا ذلك على استحباب صيام هذا اليوم، وهو اليوم العاشر من محرم الذي سيوافق -إن شاء الله- يوم الاثنين هذا العام؛ لأن هذا الشهر – كما أعلنت المحكمة العليا – ثبت دخوله يوم السبت».
وقال: «فيوم الأحد هو اليوم التاسع، ويوم الاثنين هو اليوم العاشر، ونصوم – إن شاء الله – يوم الأحد ويوم الاثنين.
النبي (صلى الله عليه وسلم) استمر في صيام يوم عاشوراء فقط، فلما كان في آخر حياته تمنى إن عاش إلى قابل ليصومنّ التاسع، فتوفي (صلى الله عليه وسلم) قبل أن يصوم اليوم التاسع، وقال لأصحابه: (صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده؛ خالفوا اليهود).
وجاء في حديث أبي قتادة – رضي الله عنه – انه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية)، وقال ابن عباس – رضي الله عنهما – : «ما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يصوم يوماً يتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم»، يعني اليوم العاشر، إذًا، فلنصمه طاعة لله وقربةً نتقرب بها إلى الله.
وفي معرض رد المفتي على من يزعم أن صيام عاشوراء أكذوبة قال سماحته: «أما ما يقول: إن الأحاديث في هذا الشأن أحاديث مكذوبة، وأنه لا صيام بأدلة عقلية.. كل هذا كذب وافتراء ودجل، فإن البخاري – رحمه الله – كتابه أجمع المسلمون على إمامته، وقال بضعهم: (ما تحت أديم السماء – بعد كتاب الله تعالى – كتاب أصحّ من صحيح البخاري)».
وختم رئيس هيئة كبار العلماء حديثه بقوله : «إن التعرض لهؤلاء الأئمة بتجهيلهم أو الشك في أحكامهم على الأحاديث والتعرض لهم يدل على زيغ في القلب؛ لأن هؤلاء أئمة هدى، كما قال الله جلّ وعلا : {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}.
فنحن نحب البخاري وصحيح البخاري، ونقدره؛ ونرى العمل به واجبًا؛ والطعن فيه إنما عن جهل جاهل أو نفاق منافق – نسأل الله السلامة والعافية – فإن المسلمين أجمعوا على قبوله وتلقيه بالقبول من أولهم إلى آخرهم، ولم يقم أحدٌ منكرًا عليه. قد يكون ثمة خلاف في شيء من الجزئيات، لكن البخاري تلقاه المسلمون بالقبول، وكما قال الشيخ تقي الدين: (وكل من عارض البخاري فالحق مع البخاري)».