عندما أضع القلم على الصفحة البيضاء التي تسود رويداً رويداً بالمداد الذي أشبهه بدماء القلوب التي تعتصر لتخرج الكلمات ندية وفية ذات أريج ورائحة زكية كأريج نسائم القراء الأفاضل ، لذا أجد لزاماً علي أن أنتقي المواضيع التي ترتقي لمستوى ذوق القراء فإن هناك قراء لا يكتفون بالقراءة السطحية بل إنهم يغوصون في أعماق مقالك الذي تكتبه كصيادي اللؤلؤ الذين يجوبون البحار بحثاً عن النفيس والثمين ، فنحن ننتقي العبارات والمفردات التي ترتقي إلى مستوى عقولهم الراقية لأن لكل كاتب قرائه المعجبون بما يكتب ويسطر ، فيجب أن نشبع نهمهم فليس الكاتب إلا طوع بنان قرائه ومعجبيه ومحبيه وعلى الكاتب أن يبذل كل جهده ويعصر فكره عصراً ليخرج الجيد من الأطروحات ..
ولكن عندما يكتب الكاتب بعد جهد ولا يجد آذاناً صاغية وعيوناً متفتحة تقدر ذلك الجهد هنا يختار الصمت واللجوء إلى السكون لأن الألم قد اعتصره ..
ولقد أخذت هذه التقنيات من الناس نهم القراءة والكتابة وأصبح القلم الذي هو أداة التعبير قد أخذ مكاناً قصياً في هذا العالم الافتراضي ، فبعدما كان القلم يتصدر جيوب الكتاب والمبدعين أصبح حتى في المكتبات له ركن قصي وكأنه خجل من إظهار نفسه بعدما رأى وكأن دوره قد انتهى أو أوشك ..
إن إرضاء ذائقة القراء تحتاج إلى فن وأسلوب لبق وعلى الكاتب أن يكون حصيفاً ذا دراية بذوق معجبيه .. وما دفعني إلى أن أكتب هذا المقال إلا لأن بعض من يقرأون لي يطالبونني دائماً أن أستمر وبمجرد أن أتأخر بعض الشيء عن كتابة مقال حتى تبدأ الاتصالات وفيها عتب جميل راقي كرقي أفكارهم وأخلاقهم بأنني ابطأت عنهم حتى اشتاقوا إلي ، وهذا ما يجعلني أهتم كثيراً بجودة المواضيع وأعلم أنني مهما كتبت فإنني لن أصل لمستوى طموحهم وهمتهم العالية وعقولهم النيرة ، وأنا أطلب أن يلتمسوا لي العذر فما أنا لولاهم فبهم وبمساندتهم لي أمضي وأستمر فهم مادتي الأولى في الكتابة.
إن بعض القراء يحملونني كل جميلة ويخجلونني بثنائهم على ما أكتب برغم أنني وللحق لم أصل لمستوى طموحهم كما ذكرت سلفاً ، ولكنني أبذل جهدي في ذلك ،،وحقيقة إنهم لم يطلبوا يوماً أن أغير نهجي أو أبدل مبادئي؛ وهذا ما جعلني أقف احتراماً لهم وتقديراً لرقيهم ..
وأقول كما قال الشاعر : أحبابنا ما أجمل الدنيا بكم .. لا تقبح الدنيا وفيها أنتم .. فهنيئاً لي بكم ولا حرمني الله تواجدكم بقربي دائماً تشدون من أزري وتشحذون همتي لأكتب المزيد والمزيد مما ينفع الناس ، فهذه الكتابة سوف تبقى بعد أن يمضي كاتبها شاهدة له أو عليه ، ولله دَرُّ القَائِل :
الخط يبقى زماناً بعد كاتبه
وكاتب الخط تحت الأرض مدفون
إبراهيم يحيى أبوليلى
مقالات سابقة للكاتب