يروى أن إمرؤ القيس سيكون حامل لواء الشعراء إلى النار ، وإن استعرضنا الكثير من الشعر في الصحيفة فإننا سنقع في حيرة في من سيكون حامل لواء الشعراء إلى الدرك الأسفل من مزبلة التاريخ.
وحديثنا ليس عن امرؤ القيس فهو ( واد سٓكَّهْ في نظر أبيه ) لأنه بلغ سن المراهقه ولم يقل الشعر ، فقال أبوه؛ هذا ليس ابني فلو كان إبني لقال شعراً ، وأمر اثنين من قومه أن يأخذاه إلى الخلاء ويذبحانه ، فلما بلغا مبلغهما وهمّا بذبحه بكى وقال مطلع معلقته
ِقفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ
بسقطِ اللوى بينَ الدَخولِ فحومٓلِ
فرجعا به إلى أبيه وقالا له : إن ابنك هذا أشعر العرب ، فقد وقف و استوقف ! وبكى واستبكى ! !!( ولعب في ملة القوم بسقط اللوى ومن الدخول إلى حومل ) ففرح والده وأهداه (سيكل ٢٤)
-طبعاً إن صحت الروايه ولا أظنها صحيحة، لأنه قيل بأن إمرؤ القيس هو أول من قال الشعر –
وإن افترضنا جدلاً بأن والد أمرؤ القيس موجود بيننا وقيل له أن بعض القصائد في الصحيفة لأحد أبنائك ، لأمر نفس الرجلين بأن يأخذا إبنه إلى الخلاء ويذبحانه (على غير قِبلة) لأنه تجرأ وقال شعراً، ولأمرهم ( بمردغة ) كل من كتب لأبنه ( صح لسانك) بعد أن يكتبوا على (قفاه) : إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار.
ومن نافلة القول بأن الشعر موهبه أو ملكة، ولن أكون شاعراً باجتهادي إلا عندما يجتهد الفيل ويطير.
فالشاعر سيجد وزن الشعر ينساب على لسانه دون عناء مع اللحن أو الطاروق أو البحر الذي طرق الشاعر عليه قصيدته
ويتعذر الوزن على غير الشاعر فيمد كلمه وتدخل في البيت سكته ويحرك ساكناً ( ويفرمل متحرك) في محاولات مضنية لتطويع المفردات لئلا تخرج عن اللحن ، وكأنه يسلك طريق العرقوب إلى الطلعة فيقع منه اللحن في أقرب (ملف ) وتأتي القصيدة العصماء وكأنها اعلان لمراسم العزاء بسبب (عرقوب الوزن) .
فإذا سلمنا بأن وزن الشعر ملكة، فالمفردات والصور والأفكار والأغراض هي نتاج تجربة أو ذكاء بالدرجة الأولى ، ولا يعني امتلاك موهبة كتابة الكلام الموزون المقفى، بأننا أمام طرفة بن العبد ، فقول الشاعر
الأرض أرض والسماء سماء
والماء ماء و الهواء هواء
أو
كل الرجال على العموم مذكر
أما النساء فكلهن نساء
فهذه الأبيات تسمى نظماً، ولا يعني كونها أبيات موزونة مقفاة بأنها شعراً ، لأنها خالية من أي معنى، فالشعر خيالات وعاطفة وتراكيب ، وليس وزن وقافية فقط ، فإن كتبت مثلها فكأنك تخبر الناس بأنك( من جنب القده) أو القدة نفسها.
فيا أخي الكريم عندما تجود قريحتك، تخيل بأن ما ستتحفنا به ستقرأه في مجلس يضم المتنبي وابن زيدون وشوقي والهادي آدم وبدر شاكر السياب ( ومزَعِلْة النسا، وٓلادَه) . وسَتلقي قصيدتك بعد أن يلقي ابراهيم ناجي
يَارِيَاحاً لَيْسَ يَهْدا عَصْفُهَا
نَضَبَ الزَّيْتُ وَمِصْبَاحِي انْطَفَا
وَأَنَا أَقْتَاتُ مِنْ وَهْمٍ عَفَا
وَأَفي العُمْرَ لِنِاسٍ مَا وَفَى
كَمْ تَقَلَّبْتُ عَلَى خَنْجَرِهِ
لاَ الهَوَى مَالَ وَلاَ الجَفْنُ غَفَا
وَ إذا القَلْبُ عَلَى غُفْرانِهِ
كُلَّمَا غَارَ بَهِ النَّصْلُ عَفَا
ثم يطير بك ( أبو خليل ، مثلما طار بعبدالوهاب وأم كلثوم وطار بنابعدهم ) إلى وصف وكأنك ترى من يصف
أَيْنَ مِنْ عَيْني حَبِيبٌ سَاحِرٌ
فِيْهِ نُبْلٌ وَجَلاَلٌ وَحَيَاءْ
وَاثِقُ الخُطْوَةِ يَمْشي مَلِكاً
ظَالِمُ الحُسْنِ شَهِيُّ الكِبْرِيَاءْ
عَبِقُ السِّحْرِ كَأَنْفَاسِ الرُّبَى
سَاهِمُ الطَّرْفِ كَأَحْلاَمِ المَسَاءْ
مُشْرِقُ الطَّلْعَةِ في مَنْطِقِهِ
لُغَةُ النُّورِ وَتَعْبِيْرُ السَّمَاءْ
لا أريد أن أكون مجحفاً ( وأسدها في وجهك) .
لذلك ( تكفى تجمل معنا) وقبل أن ترسل للصحيفة ( ولا عليك كلافه) إعرض قصيدتك على شاعر، فلدينا في غران عدد من الشعراء، ( الكسرة بالذات) وإن كان عددهم بعدد أصابع اليد الواحدة ، إلا أن ذلك لن يحول دون أن يعطوك رأيهم إن طلبت ، فإن وافقوك ، فاعكف على شرح المعلقات ، ومختارات من العصر الذهبي ، وشوقي في العصر الحديث فقط (ماودي أكثر عليك). وسنفخر بك يوماً على مستوى الوطن العربي.
رجاء: أي اسم يطرح في التعليقات سأمتدحه وكأنه النابغة ، وإن لم يكن شاعراً. لذلك أرجو عدم التعرض لإسم بعينه. فالموضوع الشعر وليس شخصاً بعينه.