“العاصوف” مسلسل سعودي يتم عرضه خلال هذا الشهر الفضيل على قناة ام بي سي 1 التي تعمل على النايل سات وعرب سات في الأيام القليلة الماضية، وتحديدًا منذ بداية شهر رمضان المبارك .. أثار هذا المسلسل ضجة كبيرة بسبب المحتوى الفني الذي يعرضه، والحق أنه يستحق كل هذا الجدل الذي نراه وكل الانتقادات الموجهة إليه والصراعات التي وجدناها تدور حوله بين جميع فئات المجتمع السعودي؛ لأننا نرى أنه يسيء لتاريخ المملكة العربية السعودية العريق بشكل عام، ويعكر صفو المواطنين السعوديين الذين يرون أن هذا المسلسل يحاول بشكل فعلي هدم ثقتهم في بلدهم وموطنهم الأصلي الذي تعلموا منه كل الأصول الاجتماعية والمعتقدات الدينية، وهذا النوع من فقدان الثقة في الوطن الأم من أصعب أنواع عدم الثقة واهتزاز الصورة الذهنية عن شيء ما، فباختصار وتوضيحًا في الوقت نفسه للقارئ الذي لم يحط علمًا بهذا المسلسل، إن هذا المسلسل الذي يضم نخبة كبيرة من نجوم الدراما على رأسهم الفنان الكوميدي السعودي ناصر القصبي والفنانة ريم عبدالله، تدور أحداثه حول الوضع الاجتماعي في المملكة في سبعينيات القرن الماضي بطريقة تثير الرأي العام السعودي بتناولها لهذا الوضع بطريقة صادمة للمواطن السعودي الذي يرى في هذا المحتوى الدرامي قلبًا لصرح معتقداته عن تاريخ السعودية رأسا على عقب، فالمسلسل يحمل في طياته إشارة واضحة لأمور لم تكن معروفة عن المجتمع السعودي وكانت بعيدة كل البعد عن الأنظار سواء كان هذا البعد والتغافل بعمدٍ أو بغير قصد من شدة الالتزام والتدين واعتبار مثل هذه الأمور بمثابة خطوطًا حمراء لا يصح ولا يجوز الحديث عنها بأي شكل من الأشكال.
والموضوعات التي تناولها هذا المسلسل والتي لم تخطر يومًا على بال المواطن السعودي ولم يلقي لها بالًا، بل ولم يتصور يومًا أن هناك أعمالًا درامية ستتناول مثل هذه الأمور كالبغاء والخيانة الزوجية وما إلى ذلك من السلوكيات والفواحش التي تعتبر الموضوع الرئيسي للمسلسل التي جرى تسليط الضوء عليها من خلال الأحداث المتنوعة فيه، والتي تسهم بشكلٍ أو بآخر من خلال ذلك التناول في هدم المعتقدات التاريخية عن المجتمع السعودي وخاصة في تلك الفترة الهامة من تاريخ السعودية والمجتمع السعودي بشكلٍ عام، الذي كان يشتهر في الماضي بأنه مجتمع محافظ بعيد كل البعد عن تلك السلبيات الكبيرة التي قد تسئ لأى مجتمع بانتشارها فيه.
ونرفض بشكلٍ قاطع الرأي القائل بأن هذا المسلسل يكشف المستور في المجتمع السعودي ويعرض السلبيات والخفايا التي سادت في تلك المرحلة من تاريخ المملكة، وذلك لأننا نرى أنه يشوه المجتمع السعودي المعروف عالميًا بالتحفظ والتدين والالتزام، كما نرى أنه من حق أي مجتمع إخفاء عيوبه وعدم إبرازها والحفاظ على الهوية والشكل الاجتماعي له، ومن ثم نذكر أنه لم يكن هناك داعٍ لعرض تلك السلوكيات السيئة والفحشاء وإبراز وجه سيء قديم لا يفيد سرده بشيء ولا قيمة له على الإطلاق، إلا أنه على العكس من ذلك يضر بحضارة وتاريخ المملكة وينقص من الشكل الجمالي الكلي لتاريخها، ويبعث الحزن في نفوس العالم العربي الذي يرى في المملكة قبلته الأولى المقدسة، ورمزا دينيا مشعا، فالمسلمون عاشقون للمملكة ومحبون لها ولتاريخها وفخورون بها سواء في المملكة أو في العالم العربي أجمع، بعد هذا المسلسل سوف يبحثون من جديد في تاريخ المملكة عن أشياءً أخرى يستطيعون من خلالها الفخر كل الفخر بالمملكة التي تعتبر بالنسبة لهم رمزا للدين الإسلامي لما بها من موطن الرسول والكعبة الشريفة في المسجد الحرام والمسجد النبوي… إلخ ، والبعض الآخر الذي يرى أن هذا المسلسل يلائم المراحل الجديدة التي نشهدها في الوقت الحالي في السعودية نختلف معه كثيرًا في أن عيوب وسلبيات هذا المسلسل تخطت إيجابياته كثيرًا، ولعل أبرز تلك السلبيات هي انقسام الرأي العام السعودي حول هذا المسلسل بين مؤيدٍ ومعارض ، وهذا ما يعني بدوره موافقة البعض على نشر سلبيات مجتمعهم لمجرد الاستمتاع بالعمل الدرامي، وأن أصحاب هذا الرأي المؤيد لعرض مثل هذا النوع من المسلسلات نرى أنهم بعيدون كل البعد عن الغيرة على وطنهم وعلى صورة مملكتهم أمام العالم بأسره.
ولعل السبب وراء رفض بعض النقاد السعوديين والعرب لهذا العمل بشكل قاطع يرجع إلى أن هذا العمل بمثابة عاصفة أخلاقية سيئة تقتلع الأبواب من جذورها من شدة تأثيرها على المشاهد السعودي والعربي الذي يري في المملكة المرجع الديني الذي لا يشوبه سوءًا، وكل ما سبق يجعلنا نلقي باللوم على القنوات الناقلة لهذا المسلسل التي تتصدرها MBC1 وذلك من خلال حصولها على حقوق الطبع والنشر للمسلسل والتي أتاحت فرصة لنشر الأفكار الخبيثة السيئة التي وردت به.
محمد بن عواض الحربي
مقالات سابقة للكاتب