مع التطور الكبير الذي يشهده العالم تطورت المملكة العربية السعودية وحاولت قدر الإمكان بكل ما أوتيت من قوة مجاراة التقدم والعلم وكل ما هو جديد، وبدأت بشكل فعلي في التخلص من العادات والتقاليد التي تزيد من درجة الالتزام، ولكنها غير مفروضة بشكل شرعي، فعلى سبيل المثال من العادات التي بدأت السعودية واتخذت قرارًا بالقضاء عليها باعتبارها أمرًا لا يمس بتحفظ المجتمع السعودي بصلة بما لا يتعارض مع تطبيق الشريعة والتدين الذي اشتهرت المملكة بتطبيقه طوال أعوام طويلة ماضية ولازالت تطبقه وتنفذ حدود ما أمر الله به، هي عادة منع المرأة من قيادة السيارة، تلك العادة التي أثارت جدلًا كبيرًا في المجتمع السعودي وشغلت بال الرأي العام فترات طويلة ولكنها لم تنجح أبدًا في الحصول على هذا الحق رغم الانتقادات ومحاولات الضغط على المملكة من المنظمات الحقوقية لمحاولة المساواة بين الأجناس وحصول المرأة السعودية على ذلك الحق كغيرها في كل البلاد العربية والأوروبية.
ووصلت المرأة السعودية بالفعل إلى مرادها وحقها بقيادة السيارة بعد حملات عديدة ومحاولات متتالية في 26 سبتمبر عام 2017 حيث أمر الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بمنح النساء السعوديات الحق في القيادة وفقا للضوابط الشرعية، على أن يتم التنفيذ بشكلا فعليا في ١٠من شوال عام ١٤٣٩ والبدء في رخص القيادة للنساء منذ ذلك الحين.
ومع قرب ذلك التاريخ الذي يعد بمثابة طفرة حضارية كبيرة ونقلة نوعية في التاريخ بالنسبة للمملكة يجب على كل شخص سعودي تقبل الأمر ومؤازرة النسوة ومساعدتهم في النجاح في القيادة وتشجيع المرأة السعودية التي قد تمثل أختا أو زوجة أو أما أو ابنه في أن تكون امرأة قوية لا تقل أبدًا عن مثيلاتها في العالم في شيء وذلك من خلال الالتزام بأخلاق القيادة ومراعاة الخطوات الأولى لقيادة المرأة حتى ولو بإفساح الطريق أمامهن وترك مجال ومساحة واسعة للتحرك بحرية في الطريق دون أي مضايقات أو سخرية منهن، فعلى الأشخاص المتقبلين والرافضين للقرار احترام السيدات اللاتي سوف يقمن بقيادة السيارات قدر الإمكان والتحلي بسعة الصدر مهما أخطأت السيدة أو غفلت عن أساسيات في القيادة نظرًا لحداثة الأمر بالنسبة لها، وذلك من خلال تخيل هؤلاء الأشخاص على الأقل لاحتمالية ظروف تلك المرأة بأن تكون ظروفها مرضية وتريد أن تذهب إلى المشفى بشكل سريع أو لضرورة أخرى تتعلق بصغارها أو ما شابه ذلك، ولا تجد من يقوم بالذهاب معها لأى ظرفٍ كان، ففي هذه الحالة يكون الأمر إنسانيًا قبل أن يكون رفضًا شخصيًا لقرارٍ ما ومن ثم يجب على كل فرد في السعودية أن لا ينتهز الفرص ويتصيد الأخطاء ومحاولة إيصال فكرة أنه كان من الخطأ منذ البداية إعطاء السعوديات ذلك الحق، فالخطأ وارد في كل مكان وزمان وفي كل مجال.
ويجب على الجميع الاعتراف بدور المرأة في بناء أي مجتمع وتحقيقها للنهضة والتنمية، فبالنظر إلى العلماء والأطباء وكل الأفراد الذين ينفعون مجتمعاتهم نجد أنهم في معظم الأحيان نتاج مدرسة منزلية تسمي الأم، فإعداد امرأة قوية تمتلك كل حقوقها الشخصية بشكل يجعلها قادرة على مواجهة الصعاب في أي مجتمع من المجتمعات يؤثر بالطبع على تربية الأبناء وتنشئة أفراد المجتمع الواحد بشكل صحيح وزرع كل السمات الفريدة في شخصياتهم بما يجعلهم شخصيات تتمتع بثقة وقدرة غير عادية على التعايش مع أي واقع اجتماعي والنجاح فيه بما يمنحهم فرص حقيقة في منافسة المجتمعات المتقدمة وتخريج أجيال يقف العالم أجمع احترامًا وإجلالًا لها بقوتها وأخلاقها.
وفي النهاية يمكن القول بأن أمر قيادة المرأة للسيارة ضروريًا وقرارًا صائبًا وحقًا مشروعًا تأخر كثيرًا، وباتخاذه نرى أن السعودية تحافظ على هويتها ولا تؤثر عليها العولمة ولا الحداثة فهي تجاري التقدم ببعض الرتوش الشرعية المباحة مع التمسك بالمبادئ والحدود التي أمر الله بها، وبذلك يعتبر المجتمع السعودي حكومة وشعبًا قدوة حقيقية في التقدم والحفاظ على البديهيات الشرعية ولا بد وأن تسير على نهجها الوسطي المعتدل أي دولة عربية أخرى.
محمد بن عواض الحربي
مقالات سابقة للكاتب