السلام الداخلي

المتأمل لأحداث الحياة.. بَعِيّد البصيرة بها.. المتفكر فيها.. يجدُ أن هناك قصصاً كثيرة عن أناسٍ برز لديهم بُعْداً جديداً من الوعي؛ كنتيجةٍ لخسارةٍ مأساوية عاشوها في مرحلةٍ ما من حياتهم.
فبعضهم قد خسِر كل ممتلكاته، أو أسرته، أو مكانته الاجتماعية، أو سمعته، أو صحته.
فهؤلاء قد خسروا كل هذا ووجدوا أنفسهم مع “لاشيء”.
وأياً ما كانوا يتماهون معة، ويمنحهم إحساسهم بالذات، قد سُلِب منهم الآن.
ثم فجأة، وبطريقةٍ يعتذر تفسيرها؛ يتلاشى الألم الشديد الذي أحسوا به في البداية، ليحل محله إحساسٌ عميقٌ بالسلام والسكينة والطمأنينة والانعتاق من ذلك الألم.
إنه بالنسبة لنا كمتابعين لهذا المشهد يبدو أن الأمر غير منطقي ومتناقض لقوانين عقولنا التي تعودت أن تطلق العنان للحزن في بحرٍ لُجِّيٍّ من ظلمات القنوط.
إنه في ظل حقيقة الإيمان العميق بقضاء الله وقدره؛ يمكن لنا أن نُسلِّم بصحة ذلك التغير والانتقال من منطقة القنوط إلى واحة السلام الداخلي.
إنه السلام الداخلي أحد أهم ثمار ذلك الإيمان العميق.
وحتى يزداد يقيننا بحقيقة ذلك الانتقال العجيب، علينا أن نفهم أنه ما أنْ يُدرك المرءُ ماهي الأنا، وكيف تعمل؟ حتى يعي جيداً سر تفسيره واستجابته للأحداث التي يمر بها.
فمثلاً.. حين ينهار (منصبك،شهرتك، ممتلكاتك) التي تماهيت معها، والتي كانت تمنحك إحساسك بذاتك، أو حين تتلاشى تلك الأشكال، فإن هذا يمكن أنْ يؤدي إلى انهيار الأنا.
فحين لا يعود هنالك ما يمكن التماهي منه، فمن تكون؟.
حين تشعر بدنو الموت منك؛ فإن إحساسك بذاتك ينعتق من ارتباطه بتلك الأشكال؛ وتتحرر الروح من أسر المادة؛ حينها تدرك هويتك الجوهرية بوصفها عديمة الشكل، بوصفها حضوراً عاماً ومهيمناً بكينونة تسبق كل الأشكال وكل التماهيات.
ولعل هذا يفسر لنا لحظات الصفا والتسامح الانساني التي يَمر بها الكثير عند اشتداد المرض أو قُبيل الوفاة .
إنها اليقظة التي علينا أن ندركها في مقتبل العمر، وفي تمام الصحة والعافية.
فالإنسان عند حدوث خسارة مأساوية يكون بين أمرين، إما أن يقاوم، وإما أن يُسَلِّم.
والتسليم هنا يعني القبول الداخلي بما حدث، وهذا يجعل القلبَ مُشْرِعاً نوافذه على ماعند الله.
أما المقاومة فهي تشبْثٌ داخلي، وتقوية لقشرة الأنا الخارجية، وفي هذة الحالة؛ فأي فعلٍ تقوم به في حالة المقاومة الداخلية؛ سيصنع مقاومة خارجية أشد، وهذا يعني أنك أغلقت نوافذك، ولن يتمكن شعاع شمس الإيمان من النفاذ إلى قلبك.
إن الحياة خُلِقت على كدر، وقدرُنا أن نتمتع بالشجاعة الكافية التي نستمدها من إيمانٍ عميق ورضا تام بقضاء الله وقدره؛ ولندرك أن هناك ثمة لطفٌ خفي ونور في عباءة كل حدثٍ يُزعجنا.
ولعل أول بشائر ذلك اللطف والنور يُطلُّ علينا في حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:
“عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير،وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن،إنْ أصابته سراءُ شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضراءُ صبر؛فكان خيراً له”

سليمان مسلم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
@solimanalbiladi

الحلقات السابقة من روشتة وعي

13 تعليق على “السلام الداخلي

السلطانه

سلمت بنانك مستشار الرقي والجمال

شوقية الأنصاري

السلام الداخلي
حروفها تبعث الارتياح والتأمل الذاتي
هذا هو المحرك القوي
فبداخل ارواحنا وقود إيماني
يشرق بكل خير إنساني
لابد ان يستيقظ ويعيش عالمه الحقيقي
🗝🔑🗝🔑🗝🔑🗝🔑
مقال سلام ومحبة سيكون مفتاح الانطلاق لينافس بقوة العالم الخارجي ً. بارك الله فيك أستاذ سليمان وزادك علما ومعرفة

زكيه عبدالله طيب

مساء الخير ..
في الحقيقة موضوع السلام الداخلي مهم جدا في حياتنا. كلام جميل سعادة المستشار سليمان .فيه من الواقعية وملامسة النفس البشرية ومكنونها الإنساني الشيء الذي يساعد على القدرة على التكيف مع كل مستجدات الحياة ويعالج الضغوط الحياتية التي قد تدمر حياتنا ..المقال يعطي نوع من التصالح مع النفس والرضا والتكيف مع الواقع ومحاولة الإستفادة من التجارب المؤلمة في أحداث التوازن النفسي والعيش بسلام .
بارك الله الجهود وجزاك خيرا..
نتطلع منكم المزيد فأنتم خير من يسهم في ذلك

متعب الصعيدي

الله الله على الروعة والجمال
والله قمة المتعة أشعر بها وأنا أقرأ مقالك
ماشاء الله تبارك الله ربنا يزيدك من فضله
كلام رائع ومقنع ومفيد جداً

أ.نويفعة الصحفي

ليس منا من لا ينشد السلام الداخلي ليعيش في ظلاله ، ويتذوق معنى الطمأنينة ..ولكن غاية إيجابية كهذه لن تحصل بين عشية وضحاها ، إن لم نأخذ بالأسباب ونتلمس المعينات ، ولعل من أهمها العمل على توطين وترسيخ الوازع الديني ، فهو الطمأنينة والسعادة والانسجام والتوازن ، بل هو سبب في تنظيم السلوكيات ، ولهذا من لديهم وازع ديني يتمتعون بسلامة أرواحهم مع الله ، و الشعور بالأمل ، مقارنة بغيرهم لأنهم أدركوا ان هذه الصعوبات ماهي إلا معبرا للوصول للراحة الأبدية ..فأصبحت نظرتهم للمواقف متزنه ، ولديهم مقدرة على تقييم الظروف ، و هذه في مجملها معينة على تجنب الآثار السلبية ، والتي معها نفقد السلام الداخلي … ولعل تدريب النفس على تجاهل الأمور التي تزعزع السلام الداحلي بمحاولة اشغال العقل و الفكر بماهو مفيد ، وتذكير النفس دائما بأن العالم كبير جدا ، ونحن جزء صغير منه ، ومشاكلنا مقارنة بمن حولنا ضئيلة جدا ولا تكاد تذكر مقابل ما نعلمه ونراه من ظروف العالم حولنا ..كل هذه معينات لو تأملناها ..
ولعلنا نختم بما ذكره كاتبنا القدير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ”
” عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير،وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن،إنْ أصابته سراءُ شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضراءُ صبر؛فكان خيراً له”
ففي هذا الحديث بشارة وهي خيرية أمر المسلم في جميع احواله وعلى هذا يجب أن نوطن أنفسنا ..
شكرا لك كاتبنا القدير الأستاذ سليمان بارك الله فيك

الانصارى

مستشارنا الفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تطرقت لموضوع يهمنا جميعا انه سنة الله في الكون فالبلاياء والمصائب تفتح للشيطان ابوابا لمن اتخذ الجزع والسخط وعدم الرضى ملجئ يلجاء اليه موصدا ابواب الرجاء في الله والصبر
فحينما يبتلينا الله سبحانه وتعالى انما ليمتحن صبرنا وايماننا وليسمع دعائنا وتضرعنا اليه
انها اللحظه التى يلجئ فيها العبد لربه لتفريج كربته فكم من نعمة انستنا ذكر الله فكانت اداة للتكبر وقسوة للقلب وغفلته وكم من مصيبه كانت فيها فرصه لمراجعه انفسنا وتصحيح المسار
قال صل الله عليه وسلم (إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا ، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه حتى يوافيه به يوم القيامة )
قال الفضل بن سهل : إن في العلل لنعَماً لا ينبغي للعاقل أن يجهلها ، فهي تمحيص للذنوب ، وتعرّض لثواب الصبر ، وإيقاظ من الغفلة ، وتذكير بالنعمة في حال الصحة ، واستدعاء للتوبة ، وحضّ على الصدقة .
وبنظره شموليه بعض مصائبنا مصدرها دواخلنا عندما نغفل ونتجاهل محاسبه النفس قال تعالى ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

سليمان مسلم البلادي

ا.السلطانة.
ا.شوقية الأنصاري.
د.زكية طيب.
ا.متعب الصعيدي.
ا.نويفعة الصحفي.
ا.الأنصاري.
لكم جميعاً وافر الشكر والتقدير لكل ما تفضلتم به من جميل الطرح وروعة المحتوى.

عبدالرحيم الصبحي ـ أبو أوس

تظل علاقتنا مع الله قبل أنفسنا وقبل علاقتنا مع الآخرين مستشارنا العزيز مرتبطة بأهمية تأثير الظاهر على الباطن ومتى صلح الباطن صلح الظاهر وكأني بك تشير إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك رضي الله عنه : يا أنس إن أستطعت أن تبيت وليس في قلبك غش لأحد فأفعل فإن ذلك من سنتي ومن أحب سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة فاصلاح القلوب توفيق من الله وخير يقدمه الإنسان لنفسه قبل غيره وكفانا قول الله عز وجل { إلا من أتى الله بقلب سليم } شكرا لك أستاذ سليمان وجبات ماتعة نستمتع دوما بها .

سليمان مسلم البلادي

شكراً عامراً استاذ عبدالرحيم لهذا التعقيب الجميل.

الدكتور. / حمد البشري

شكرا استاذ سليمان على هذا المقال الجميل وقد اجاد من علق قبلي على مجمل التفاصيل وكما اشير الى ان الانسان المؤمن امره كله خير سواء في السراء او الضراء فهنيئا لمن التزم بتعاليم الدين فهي تكفيه امور الدارين
ولك مني اجمل تحية.

تميم

كلامك درر يا دكتور سبحان الله اللي يتابع مقالاتك يلاقي أبواب كثيره قدّامه وكلها أمل بس ما كان ملقي لها بال
الواحد لمن يتعرض لموقف صعب تظلم الدنيا قدّامه ويجلس يتندم ويتحسر وياليت ما سويت كذا ولا صار هدا الشي والمصيبه اذا استلمه واحد محبط منتهى يدخله في أفلام نكد ينكد عليه عيشته وقت الشدائد تبان قوة الإيمان ونوع المعادن بقولك حادثه صارت على صاحبي تعرض لموقف وكنا وقتها في المرحلة الثانوية صاحبي حساس حبتين ورومانسي زيادة صار مكتئب وحزين وماله خلق يتكلم مع احد وعصبي والله موقف ما يستاهل بس السن والعقليه والتجربه في الحياه لها دور وما كان يقدر يكلم أهله خايف المهم قالوا يا معاه عين وإلا شطفه جنى ودوه لشيخ من اللي يجلدوا بيحكينى هوه أقول جلس يقرا عليه وطب في حلقي يخنق ما قدرت أتحمل راح اموت دفيته برجولي ويدي بقوه وطاح الشيخ وقال لأبويه واُخوى امسكوه زين هذا معاه قبيله من الجن والله وكيلك سلخ ظهره بالخيررانه يقول صرخت وبكيت من قوة الضرب الين صوتى انبح وابويه يقول ارحمه ياشيخ قال هذا الجنى يصارخ يبي يطّلع ومن يومها صاحبنا ميه ميه لو كان فيه حوار وتفاهم بين صاحبنا وابوه كان الموضوع انتهى بكلمتين حلوه من الأب وياليت يا دكتور تركز على العلاقه بين الآباء وابنائهم لانه بتصير بلاوى ويخاف الولد يستشير ابوه

سليمان مسلم البلادي

الدكتور حمد البشري
تزينتْ كلمات مقالاتي بجميل تعقيبك وبهاء طرحك.

سليمان مسلم البلادي

ا.تميم
شكراً عاطراً لمرورك الجميل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *