خلق الناس من أب واحد وأم واحدة آدم وحواء ، وتفرعوا بعد ذلك إلى أجناس وألوان شتى بسبب التزاوج والتكاثر بإرادة الله جل وعلا ، وأصبحوا شعوبا وقبائل وذلك بفعل الهجرات والترحال المتتالية بحثاً عن المعيشة وتعايشوا على هذا النحو..
وبما أن ابليس قد حسد آدم عليه السلام وعاهد ربه على أنه سيمشي بين بني آدم ليضلهم حتى لا يقع في أتون الجحيم وحده وأخذ بوسوساته يلقي رويداً رويداً العداوة والبغضاء وإيغار الصدور بالحسد وتفنن في ذلك ..
وبما أنه هو أول من ابتدع تفضيل عنصر على عنصر فقد ادعى الأفضلية على آدم وأنه خير منه فطرد بسبب ذلك من نعيم الجنة إلى شقاء الأرض ، ومن ثم قد علم مصيره المشؤوم فلما إذا لا يتخذ هذه الخطة المشؤومة طالما تأتي ثمارها سريعاً وتفرق بني آدم عن بعضهم فيكرهون بعضهم ويتفاضلون على بعض ويرى بعضهم أنه خير من غيره برغم اشتراكهم في عنصر واحد وهو التراب .
واستغل اللعين اختلاف الألوان والأعراق والطباع شر استغلال وهكذا قامت الحروب والظلم واستعبد البشر بعضهم وتعالوا على بعض وتعاقبت الأيام والسنون ، فأخذ البشر في اختراع أقسى الكلمات المؤلمة التي تؤذي مشاعر إخوتهم البشر ، فقامت الصراعات والتكتلات وتفشى الكره بينهم فرحمهم الله وأرسل من لدنه أنبياء يردونهم إلى الفطرة النقية السوية ويعلمونهم أنهم أخوة وأن ما هم فيه من عداوة وبغضاء واستكبار إنما هو بسبب اتباعهم لخطوات الشيطان ووسوساته ، فعاد البعض منهم وعلموا أنهم قد خدعوا وتمرد البعض وأبى إلى الاستمرار في ازدراء أخيه الإنسان ، وتوالت رسل الله تترى حتى ختم الله قضية الرسالة بخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم فعاد الناس إلى الجادة وتعاقبت السنين وحل على أمة محمد ما حل بالأمم السابقة حتى وصلنا إلى هذا العصر ، وبفعل الحضارة والتكنولوجيا اقتنى البشر أجهزة كان من المفترض أن تعمل على راحة الإنسان ورفاهيته إلا أن بعض من أراد الرجوع إلى الجاهلية أخذ يتفنن في ابتكار كل ما يؤذي أخاه في الإنسانية وتعلم ، ولكن جير هذا العلم لا لمنفعة البشر بل لتسليط الألسن والأقلام بالسب والنقيصة وتبنى خطة إبليس في الكبر والتعالي وتفضيل قبيلة على قبيلة ولون على لون ،،وأخذ في ابتكار المصطلحات الازدرائية التي أعف لساني عن ذكرها صوناً واحتراماً لأذواق القراء ، وإن أردتم دليلاً ولستم في حاجة إلى دليل وبرهان خذوا جولة في مواقع التواصل فسوف ترون الكم الهائل من السخرية بالأجناس والألوان والقبائل والتفاخر بالأحساب والأنساب والأوطان والجهل المخيم على الناس حتى أن الإنسان ليضحك قهراً من بعض تصرفات البشر ، ونسوا أنهم محاسبون على ألفاظهم ..
نعم هناك قوم ملئوا قلوبهم بالكره والبغضاء لكل ما يدب على الأرض ثم يطلبون الله الجنة ، ونسوا أو علموا وتجاهلوا أن لدخول الجنة شرط هو القلب السليم ، وهم قد عمروا قلوبهم بالغل والحقد والحسد وكل أمراض القلوب التي يعافها من في قلبه مثقال ذرة من إيمان ..
تراهم يصلون ثم ينفتلون من صلاتهم لتوجيه الكلمات النابية والمليئة بالازدراء والسخرية من الآخرين ، ولا أدري كيف فهموا الآية الكريمة (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) ..
لذا فمن ظن أن الله سبحانه وتعالى سيحاسب الناس على أساس ألوانهم وأجناسهم وحسبهم ونسبهم ومكانتهم ومراتبهم وأقدارهم في الدنيا ، فعليه أن يراجع معتقده فإن الشيطان قد ذهب به بعيداً وأوشك أن يهلكه وهو يظن أنه على صواب …
فاللهم جنبنا كل ما يجلب علينا غضبك ودلنا الحق وسددنا في القول والعمل .
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب