كثيرًا ما نقرأ ونسمع أن بعض كبراء القوم من فلاسفة ومتعلمين ومثقفين، وأساتذة رأي منذ عصر التاريخ لا يعيرون اهتمام للأيمان، ومنهم من يتباها بجحوده ربما يخشون أن يفقدوا بعضًا من امتيازاتهم، ومكانتهم بين الأميين والفقراء.
ويرون أنهم ليسوا في حاجة إلى الإيمان طالما أنهم يتمتعون بثرائهم وجاههم فإذا ما تتبعنا مشاهد التاريخ نجد أن الأنبياء وهم أئمة الإيمان لم يؤمن معهم إلا قليل وهذا القليل من أوائلهم الفقراء والمستضعفين أما الأغنياء وأصحاب الجاه والمكانة فهم أول من تصدى لدعوة الأنبياء منذ نبي الله نوح مرورًا بأبي الأنبياء إبراهيم علي أنبياء الله افضل الصلاة والسلام.
فالقران يتحدث عن قصصهم وينعتهم بالكبراء والملأ والقوم ففي اللغة العربية إذا ذكر الملأ فكثيرًا ما تعني هذه الكلمة علية القوم وذوي المكانة النمرود بن كوش، وفرعون وهامان وقارون، كلهم من علية القوم وهم الذين ناوئوا إبراهيم وموسى وقس على ذلك معظم الأقوام الذين أرسل إليهم رسل حتى نصل إلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ فإن من أوائل من اسلم منهم الضعفاء لذلك كان الاضطهاد شديدًا وقاسيًا عليهم فهم الذين أصبحوا بعد الهجرة ينعتون بأصحاب الصفة، وهي الزاوية بجانب المسجد يجتمع فيها الفقراء من أصحاب النبي ﷺ أما أصحاب الجاه كأبي جهل عمرو ابن هشام وعبد العزى أبي لهب وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط ومن لف لفهم وسار في ركابهم فقد (استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرًا ) ورأوا أنهم أعلى شأنا من أن يؤمنوا بإله آمن به الضعفاء والفقراء ويستمر قطار الجحود والكبر ولعنجهية مقرونًا بمن ظنوا أنهم لا يحتاجون إلى الإيمان إلى يومنا هذا.
ولقد جسد هذا الرأي الشاعر العراقي جميل صادق الزهاوي في ملحمته المسماة (بثورة في الجحيم) – وهو يحاكي الفيلسوف (دانتي) في ملحمته (الكوميديا الإلهية)- حيث سرد إي الزهاوي قصة منامه وقد رأى نفسه قد مات بعدما جحد الإيمان فرأى نفسه يعذب في القبر من قبل الملكين الذين أقعداه للسؤال وفي يوم الحشر رأى أنه قد حشر إلى جهنم وقبل أن يزج به في الجحيم ذهبت الملائكة به إلى الجنة ليرى ما فاته من النعيم فيتحدث عن مشاهداته فإذا به يرى أهل الجنة إنما هم من الفقراء والبلهاء على حد زعمه وفي المقابل عندما ادخل الجحيم رأى أهله من الفلاسفة والمفكرين والأدباء والشعراء حتى أنه ذكر بعضهم وليس هذا مكان ذكرهم حتى لا يطول الحديث ومجمل القصة أن أهل النار اخترعوا آلة تطفئ لهيبها -بزعمه وكذب- بما انهم مفكرون وعباقرة وقاموا بثورة في الجحيم ليستولوا على الجنة إذ أنهم أحق بها من أولئك البلهاء نعوذ بالله من الخذلان وفي عصرنا الحديث هناك من يؤمن بهذا الاتجاه الخاطيء وهم من يسمون أنفسهم أهل اليسار أو اليساريين والمتنورين ويصمون مناوئيهم بكل نقيصة وهذا إنما هو من تدبير إبليس ليحشد ويحشر معه رفقاء في الجحيم .
وهذا الكلام ليس مطلقًا وعامًا بل هناك من أصحاب الجاه والمكانة المرموقة في الأمة من يؤمن بالله إيمانًا راسخًا وينافح عن الدين بنفسه وماله لا يبتغي سوى مرضاة خالقه، وهناك أمثلة كثيرة فعلى سبيل المثال أبا بكر الصديق أول من آمن بالرسول من الرجال ووضع جل ماله بين يدي النبي وكذلك عثمان بن عفان ذا النورين الذي قال عنه رسول الله حين جهز جيش العسرة (ما ضر عثمان ما فعل بعد ذلك) وفي وقتنا الحاضر هناك رجالات من أصحاب المكانة والجاه من بذلوا الغالي والنفيس في خدمة الدين فالقضية ليست مطلقة إنما هي نسبية ..
نعم كل مخلوق من الإنس والجن المكلفين يحتاج إلى إيمان لينجو (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب