الخطأ أداةٌ تطويرية!

وضع الله تعالى في الإنسان الخطأ، وجعله سبحانه طبيعةً بشريةً لا تنفك عنه، وميّزه بفوائد كثيرة، منها أنّه أداة رائعة للتطوير بالنسبة لجميع أطراف الخطأ.
فالمخطئ الذي قام بالخطأ سيتعلم أمراً جديداً.
والمخطأ عليه سيتعلم معنى الظلم، ويتعلم كيف يتعامل مع المخطئ،والخطأ ذاته.
والمشاهد الذي شاهد الخطأ بمعاينته بعيداً عن ذاته،يتعلم خبرةً جديدةً بشكلٍ مجاني دون الخوض في خسائر تلك الخبرة المُشاهَدة.
وسامع خبر الخطأ من الناس،سيتعلم الخبرات عن طريق السماع؛ ليوفر على ذاته عناء دفع تكاليف خبرات مدفوعة الثمن.
وقارئ خبر الخطأ “من الكتب”،سيتعلم أيضاً من كنوز خبرات التاريخ؛ ليحفظ نفسه -بإذن الله تعالى- من احتمال وقوعه في خبرات مماثلة.
فإذا نظرنا إلى الخطأ على أنّه قدر من الله تعالى، وأنه يمكن أن يكون خطوةً لتعلم الإنسان، واعتقدنا أن العيب ليس في خطأ الإنسان، وإنما العيب هو عدم قدرته على الاعتراف به،ثم عدم القدرة على إصلاحه.
إنه من هذا المنطلق الفكري لأهمية نوعية الصورة الذهنية عن الخطأ؛يمكن لنا أنْ نتجاوز مجرد العلم بالخطأ -سواء من الفرد أو من غيره- وتداوله في المجالس، والتسابق في تعبئة جيوب الحاضرين بقصص ذلك المخطئ كحدٍ أدنى، أو التعريض به والشماته بصاحبه كحدٍ أقصى،نتجاوز ذلك كله إلى جعل ذلك الخطأ لبنةً جديدة تُضاف إلى بيت الحياة، وشرياناً متدفقاً يرتوي منه العقل، وكجهاز إنذار ينذر بشكل غير مرئي، ووعينا وبصيرتنا وحكمتنا تجعلنا ننفذ إلى فهم إشارته.
إننا إنْ نجحنا في ذلك؛ فنحن نزيد من مساحة الاستفادة من ذلك الخطأ.
فالعقل،سيقوم بإصلاح المعلومة الخطأ في داخله، والتمتع بجمال وظيفته التكليفية بمعرفة عواقب الأمور، وامتيازه بالصحة المعلوماتيه المطلوبة في الحياة.
والقلب، سيشعر بالتواضع وقبول المعلومة الجديدة، والحماية من احتمال تعرضه لأمراض القلوب من عُجبٍ وكِبرٍ وغرور.
وستتمتع بقية الجوارح بالصحة الأدائية المطلوبة في الحياة.

سليمان مسلم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

6 تعليق على “الخطأ أداةٌ تطويرية!

أحمد بن مهنا

هذا منهج عظيم ، وسلوك الخاصين المتقين ، الذين هم في دنياهم يسيرون إلى العلو ، فما تعثروا فيه أو به من خشاش الطريق أحسنوا التصرف ومروا نحو هدفهم ، قال الله تعالى ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على مافعلوا وهم يعلمون. أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين) ولاشك أنه منهج وسلوك للتعامل عام . شكرا للكاتب المتميز أ. سليمان البلادي

سليمان مسلم البلادي

ا.أحمد بن مهنا
شكراً لهذا التعقيب الثري الذي ازدان بالتأصيل الشرعي.

د.هناء عبدالملك بنتن

ثقافة الخطأ (أداة تطويرية مفقودة) لدى البعض ! ويسود في أفئدتهم مفهوم (حفظ ماء الوجه ) فيتعرضون إلى ضغط نفسي عند محاولة القيام بالأمر بشكل صحيح من المرة الأولى فقط ، ولا يحاولون مرة أخرى لأنهم يظنون ظن السوء بأنفسهم بأنهم سيفشلون كما فشلوا من قبل وبالتالي سيكونون أضحوكة للجميع وسوف يريقون ماء وجههم في التراب .
مفهوم حفظ ماء الوجه ظاهرة جيدة يتقبلها البعض بإيجاد الوسائل لمعالجة الخطأ فمن لا يخطئ لا يتعلم ؛ لكن من الصعب فهم تأثير التعلم بالخطأ لمن يفتقد في تفكيرهم مفردة (المحاولة والتكرار ) فلا يعيش ثقافة الخطأ التي تلعب دورا كبيرا في التعلم الذاتي وحسن المعاملة مع الناس .
حفظ ماء الوجه متأصل لدى البعض في ثقافتهم الاجتماعية ويرتبط بالقيمة الذاتية
فاحترام الذات له مكانة عالية ينبغي المحافظة عليها دائما .
عندما يفقد بعض الناس ماء الوجه فإنهم يعتقدون أنهم يفقدون احترامهم لذاتهم ، وفقدان ماء الوجه تعني لهم أكثر من مجرد الإحراج المؤقت بالنسبة لهم فلا يعتذرون ولا يتعلمون من أخطائهم (على رأسهم ريشة )
بل يقف الخوف من الخطأ حاجزا أمام بعض الناس ويصبح عملية نفسية محفوفة بالمخاطر
فهو يتصور أن الناس المحيطين حوله يستخفون به ويضحكون عليه عقب الخطأ الذي ارتكبه ، ولا يوجد في عقليته أنه اذا ارتكب خطأ فما عليه سوى المحاولة مرة أخرى .
(أبتسم على خطئي ولا أشد شعري )
(أنظر لمرآتي بنظرات مودة ومحبة وحنان تحتوي خطئي فأستعيد ثقتي بنفسي وأحاول مرة أخرى )
من المقبول استمرار المحاولة بروح رياضية حتى ننجح ، ارتكاب الخطأ والمحاولة مرة أخرى ينبغي أن ينظر إليه الناس على أنه جزء من عملية التعلم واكتساب خبرة جديدة ، فلن نذوق طعم النجاح إذا لم نفشل .

زكيه عبدالله طيب

الخطأ سلوك يقدم عليه الفرد منذ الطفولة ويصدر كنتيجة قلة المعرفة والخبرة وهو أسلوب هام جدآ للتعلم فنحن نتعلم من أخطاءنا وهو مصدرنا لمعرفة الحقيقة . في علم النفس هناك مبدأ التعلم بالمحاولة والخطأ وهذا مبدأ علمي لا غبار عليه.. حتى لدي الحيوانات فهم يتعلمون من خلال إعادة السلوك حتى يصلوا للصواب وقد أجريت العديد من التجارب على الفئران والقطط والكلاب .لإثبات هذا المبدأ أو القانون
ومن وجهة نظري أن كل محاولة خاطئة هي تجربة ناجحة تعلمنا منها أن هذا الطريق لايجب استخدامة بالشكل السابق وهكذا تتعدد التجارب بحسب مايملك الإنسان من قدرة عقلية تمكنه من الفهم الصحيح والإدراك للأشياء من حوله ..
إذن الأخطاء هي وسيلتنا للمعرفة اذا شغلنا عقولنا لاستيعابها ..
شاكرة لكم سعادة المستشار سليمان إثارة الموضوع
لأهميته..

م. محمد الحربي

تتبنى بعض الشركات العملاقة (أرامكو على سبيل المثال) برنامجاً يسمى “الدروس المستفادة” Lesson Learnd
فعند وقوع خطأ في أحد عملياتها التشغيلية سواء خطأ بشري أو آلي تقوم بتشكيل لجنة لدراسة الخطأ الذي وفع من جذوره وتحديد مسبباته بكل شفافية ومن ثم استخلاص النتائج ووضع التوصيات في تقرير مفصل (من دون ذكر الأسماء أو المكان) وتوزيعه على جميع القطاعات والإدارات ليصل لكل موظف ويتم الطلب من كل إدارة لديها نفس الحالة أن تتحقق وتراجع وضعها في تلك الجزئية لتفادي حدوث نفس الخطأ لديها. وبذلك فهي نخلق بيئة صحية تتعلم من الخطأ وتنظر إليه كتجربة حياتية لا عيب فيه ولكن العيب في حدوثه مرة أخرى.
شكراً لك أخ سليمان على ما تطرحه من قضايا فكرية راقية جداً. وفقك الله ومبارك عليك الاصدارات الجديدة.

سليمان مسلم البلادي

دكتورة هناء عبدالملك بنتن.
دكتورة زكية عبدالله طيب.
م. محمد الحربي.
شكراً وافراً لجمال تعقيبكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *