عقلُك.. لا تُسلّمهُ لغيرك!

الحقيقة الظاهرة للعيان أمرٌ واقعٌ، لكنها حقيقة يجب أنْ نخترقها؛ لكي نكتشف الحقيقة المطلقة لها، وهذا يتطلب من الإنسان الفهم القويم الذي هو الحكمة الحقيقية، وليس مجرد التفكير في الحقيقة الذي لن يكون كافياً، إذْ علينا أن ندرك الحقيقة بأنفسنا، وأن نرى الأشياء كما هي حقاً، لا كما تبدو فقط.
ولعبورنا إلى ذلك الفهم القويم، علينا أن نعي جيداً أنَّه لربما تبقى الأفكار،غير أنَّ طبيعة نمط التفكير تتغير، وأن الاحتفاظ بالوعي من لحظةٍ إلى أخرى، سيكون كافياً لمباشرة التفكير فيما يحدث لنا.
وهذا الفهم القويم إنْ وصلنا إلى جزيرته؛ سنكتشف أنَّه ثمة ثلاثة أنواع من الحكمة، فهناك الحكمة المكتسبة، والحكمة الفكرية،والحكمة الاختبارية.
ويُراد بالنوع الأول “الحكمة المكتسبة” هي المكتسبة من آخرين عبر قراءة كتب، أو الاستماع إلى مواعظ أو محاضرات، فهي حكمة شخص آخر يقرر إنسان أنْ يتبناها لنفسه.
وقد يكون هذا القبول ناجماً عن علمٍ أو جهل، أو أي أمر آخر، فإن تلك الحكمة ليست حكمة المرء بذاته، فهي ليست نِتاج تجربة شخصية، إنها حكمة مستعارة.
والنوع الثاني من الحكمة، هو “الحكمة الفكرية” وهي فهم فكري للمرء،فبعد قراءة تعاليم معينة،أو الاستماع إليها،يدرسها ويُدقق فيما إذا كانت بالفعل معقولة ومفيدة وعملية.
فإذا كانت مُرضية على المستوى الفكري؛ يتقبلها المرء ويعتبرها صحيحة.
ومع ذلك فهي ليست نِتاج تَبصُّره الذاتي، بل مجرد عقلنةٍ للحكمة التي سمعها أو قرأها.
وثالث أنواع الحكمة “الحكمة الاختبارية” وهي المُتولّدة من اختبارات المرء الذاتية، من الإدراك الشخصي للحقيقة.
وهذه هي الحكمة التي يعيشها المرء، هي الحكمة الحقيقية التي ستُحدث تغييراً في حياته،بتغيير طبيعة عقله في جوهرها.
وهذا لا ينفي فائدة النوعين الأولين من الحكمة “المكتسبة، والفكرية” بشرط أنْ تُلهما وتُرشدا إلى التقدم نحو النوع الثالث “الحكمة الاختبارية”.
لكن إذا بقينا راضين بمجرد تقبل الحكمة المكتسبة دون تساؤل أو استفهام؛ يصير ذلك ضرباً من الاسترقاق وحاجزاً على الطريق إلى جزيرة الفهم الاختباري.
ومن المنطلق ذاته، إذا بقينا راضين بمجرد التفكير في الحقيقة وتفحصّها وفهمها فكرياً، ولكن دون بذْل أي جُهدٍ لاستكشافها مباشرةً؛ يتحول كل فهْمنا الفكري عندئذٍ إلى استرقاق بدلاً أنْ يكون أداةً للانعتاق من التبعية الفكرية.
فعلى كل واحد منّا أنْ يستشعر الحقيقة بالاختبار المباشر، فلن يُفيدنا إدراك أي شخص آخر للحقيقة، مع أنَّه يمكن لإدراك ذلك الشخص أن يكون بمثابة إلهام لغيره من خلال تقديم إرشادات تُتَبع، ولكن في نهاية المطاف على كل إنسان أن يؤدي العمل بنفسه،فلن يفعل الذين بلغوا الهدف سوى الإرشاد إلى الطريق، ولا يمكن للحقيقة أنْ تُعاش أو تُجرب مباشرةً إلّا داخل ممرات ذات المرء، إِذْ كلُّ ما هو خارجها موجودٌ على المسافة نفسها من الجميع.
فاستعنْ بربك، وامضِ بنفسك، واصِّنعْ حكمتك.

سليمان مسلم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

4 تعليق على “عقلُك.. لا تُسلّمهُ لغيرك!

أ.نويفعة الصحفي

العقل مدار التكليف عند الانسان ، و لله تعالى عندما أعطى الإنسان صلاحية إتخاذ القرار ، زوده بأكبر نعمة تميزه عن غيره من المخلوقات ألا وهي نعمة العقل ، بزوال هذه النعمة يسقط التكليف عن الإنسان ، لأنه ليس صاحب قرار ، .وبقدر ما يبتعد قلب المرء عن ذكر الله بقدر ما يتيه عقله في أفكار الآخرين ، ويجد نفسه وهي تتقلب كغلي الماء في القدر ، ذلك لأن الله يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة.
والقول الثابت لا يكون إلا في قلب ثابت ذو عقيدة ثابتة وقوية ، وعقل واعي حر لا يستسلم لغير الله ولا يمسك زمامه سوى صاحبه مستعينا بالله .. لكننا لا ننكر أن بعض العقول خامله بفعل اصحابها و غيرها يتحكم فيها وقد يكون من أهم أسباب هذا الخمول خطأ نرتكبه في تربيتنا لأبنائنا حيث نربي فيهم من صغرهم على أنهم غير قادرين على اتخاذ القرارات في حياتهم ، فنصنع نحن كآباء عنهم القرارات ، ونطلب منهم تنفيذها بوعي وقبول منهم ، أو حتى مكرهون عليها ، مما يجعلهم عناصر خاملة في مجتمهم تبحث في المستقبل وعند غياب الآباء عن من يفكر نيابة عنهم؟ بدليل نشاهد أحيانا ناس كبار في العمر صغار في العقول ، هؤلاء هم نتاج هذه التربية ..
شكرا لك أستاذ سليمان حركت العقول بهذا الاثراء الفكري والمعرفي الكبير .

ديلاور

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لك منا الشكر التقدير على هذه الروشتة التى لا تقدر بثمن بما تحتويه من توجيهات ونصائح فكن بالقرب منا دائم فما احوجنا إليك ولتسمح ان اتحدث بقليل من الصراحه وأتمنى ان تكون في السياق وان لا أغرد خارج السرب.
العقل نعمة وميزة أكرمنا الله بها عن سائر مخلوقاته ولكن هناك من سلبت منه هذه النعمه من البعض بحسن نيه او لاهداف مبيته المعذرة بدأت الأفكار تتزاحم حينما قرأت الروشتة تذكرت النعجه دوللى التى دخلت عالم الاستنساخ من اوسع ابوابه الرئيسيه دوللى عذرا دخلنا عالم الاستنساخ قبلك بعشرات السنين ولاكن من الأبواب الخلفية ولدينا كافة البراهين والأدلة : حينما كنا صغار حرموا علينا الحديث مع الكبار لانه في العرف يعد من العيب وقلة التربيه علينا ان نستمع ونكتفي بهز الرؤوس حتى أصابتنا التئتئه ونردد ما حفظناه فقط مثل الببغاوات وفي سن الشباب سلبت الإرادة وتم الحجر على العقول فهناك من يفكر ويقرر بالنيابة عنا شئنا ام ابينا ومن يبدى الرأي او يجهر بالسؤال او توسوس له نفسه فقد خرج عن الإجماع فسوف يهدر دمه فقد خرج عن عبائة القبيله منبوذا طريدا فلا عزاء له ! بوللى قبحك الله لقد اختزلوا كل شيئ في من لا يفقه اي شيئ وحينما تسللنا خارج الحضيره في غفلة من الراعي وابتعدنا عن قائد القطيع أصبحنا جاهزين للاستنساخ ليحتضنا من أوهمونا بان الجنه في تورا بورا فصدقناه لاننا عاجزين عن التفكير لقد سلبت منا العقول ! قال البعض ((منذو مبطي ))اياكم ان ترسلوا ابنائكم لبلاد الغرب لتلقي العلوم ففيه مفسده لهم فصدقناهم لقد سرقت منا العقول ! سيئه الذكر ومنحوسة الطالع بوللى لا اريد الاطاله في سرد الحقائق فهذا حسينوه وهذه خلاقينه فما اتمناه ان أعيش بسلام . ديلاور

سليمان مسلم البلادي

ا.نويفعة الصحفي.
عاطر التحايا ووافر الامتنان للثراء المعرفي الذي زَيّنَ مقالتي.

سليمان مسلم البلادي

ديلاور
لعلك وضعت مشرطك على موضع الألم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *