يقول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه (لم يترك الاغنياء للفقراء شيئاً سوى الله ) عجيب هذا القول والحقيقة لو كان نيتشه يؤمن بالله لعلم علم اليقين بل حق اليقين انهم تركوا لهم كل شيء ولكن البائس ظن أن الأغنياء لم يتركوا أي شيء للفقراء سوى الله ونسي أن الله هو كل شيء بالنسبة للمؤمن، وأي غنيمة اغتنمها الفقراء الذين كان نيتشه يقصدهم بعباراته؟ لقد نالوا سعادة لو شعر بها الأغنياء الذين ظن نيتشة انهم الرابحون والفقراء هم الخاسرون لو علموا تلك السعادة لتخلوا عن كل ما ربحوه وجثوا على الركب لكي يعطيهم الفقراء قدرا يسيراً من سعادتهم وهنائهم وطمأنينة انفسهم وما يملأ قلوبهم وأفادتهم وما بداخلهم من سلام.
أن نيتشة وسواه ممن قال هذه العبارة لم يكن معه نور من الله يدله على الحكمة المبثوثة في الكون كله ولو استقبل من الأمر ما استدبر لعلم أن من ظفر بالإيمان بالله فقد ظفر بالخير كله ووجد في قلبه حلاوة لا تضاهيها كنوز الأرض قاطبة لا يساويها ملك الدنيا بما فيها وما فيها ومن عليها.
هذا الكلام ذكرني بالقصة التي حدثت أبان بداية الدعوة إلى الإسلام بعد معركة حنين وها أنا انقل لكم القصة مختصرة ومن المصادر التاريخية الموثقة كشاهد ودليل على موضوعنا هذا (روى بن يحيى عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال لما أفاء الله على رسوله ﷺ
يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعطى الأنصار شيئا فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس فخطبهم فقال عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: ((لـمَّا أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في النَّاس في المؤلَّفة قلوبهم، ولم يعطِ الأنصار شيئًا، فكأنَّهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب النَّاس، فخطبهم فقال: يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضُلَّالًّا فهداكم الله بي، وكنتم متفرِّقين فألَّفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي؟ كلَّما قال شيئًا قالوا: الله ورسوله أَمَنُّ. قال: ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: كلَّما قال شيئًا قالوا: الله ورسوله أَمَنُّ. قال: لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا، أترضون أن يذهب النَّاس بالشَّاة والبعير، وتذهبون بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت امرءًا مِن الأنصار، ولو سلك النَّاس واديًا وشعبًا لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والنَّاس دثار، إنَّكم ستَلْقَون بعدي أَثَرَة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)) نعم اذاً بعد هذا كله نقول ان من وجد الله واستأنس به فقد والله وجد كل الخير وهل وجدنا نحن وكل المخلوقات الخير إلا من الله الخالق ؟ فمن كان الله معه فمن عليه..
نقول لنيتشة ومن رأى رأيه حبذا لو كان معك نور من الله لأكملت عبارتك وأردفت قائلاً اذا لقد تركوا لهم كل شيء هذه هي العبارة التي كانت من المفترض أن يعقب بها نيتشه على كلماته ، نحن جميعاً ليس لنا إلا أن نسعى جاهدين لنيل رضى الله سبحانه وتعالى فإن كان ما قال نيتشة حقا فيا سعادة الفقراء ….
وقصة أخرى حدثت للصاحبي الجليل صهيب الرومي رضي الله عنه حين أراد أن يخرج من مكة مهاجرا إلى المدينة اعترضت طريقه قريش بصلفها وجبروتها وصدها عن الحق وكان لصهيب بعض مال في مكة فقالوا له والله لن تخرج بنفسك ومالك إلى محمد ابداً فقال لهم لو أعطيتكم مالي اتخلون عني لألحق برسول الله
قالو نعم فتنازل لهم عن ماله كله ولحق بالرسول وصحبه في المدينة فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ قَالَ: “رَبِحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَى، رَبِحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَى”. قَالَ: وَنَزَلَتْ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ} فما تساوي كنوز الدنيا بجانب أن يربح المرء حب الله وحب رسوله ﷺ .
إبراهيم يحيى ابو ليلى
مقالات سابقة للكاتب