النفوس الكبيرة

حقيقة أن الذي دفعني لأن اكتب هذا المقال هي قصة حصلت مع أحد الأصدقاء أصحاب النفوس الكبيرة المتألقة النبيلة التي تغلبت على كل الحزازات والمهاترات والأمور الصغيرة، ومفاد القصة يقول أن أحد اصدقائه المقربين أقام وليمة للأصدقاء ولسبب ما لم يدعوه إلى الوليمة، ولكن بمجرد أن علم هو ذهب بدون دعوة من صديقة فتفاجأ صاحب الوليمة به ووقع في حرج شديد فقال له هون عليك أنت لم تدعني ولكني أتيت واعتبرت نفسي أنا صاحب البيت والوليمة لما بيننا من اخوه وكان الرجل واقفا يسمع فاذا به يجلس وراح يبكي من شدة الموقف، ولما رأى  هذا الصديق النبيل هذا الموقف  قال لصديقه والله لم آتيك لأظهر لك انني خير منك ابدا والله بل فعلاً أتيت إليك لما بيني وبينك من إخاء والتمست لك من كل قلبي الأعذار ربما اشغلتك الأمور عن دعوتي فأني والله ما شككت في صداقتنا ابدًا واعلم يقينا أنك لا يمكن ان تتجاهلني لو لم تشغلك الأمور.

نعم هكذا فلتكن النفوس الكبيرة التي تتغلب على كل ما ينغص الأخوة الحقة وتسد بقوة بابًا للشيطان كان من السهل دخوله منه لإيغار صدر صديق على صديقه لمجرد سهو أو نسيان  وتفتح باب الظنون والعتاب القاسي الذي ربما يحدث شرخًا وخرقًا وفتقًا في العلاقة لا يسهل سده ورتقه .

وانا أتساءل هنا ما الذي يخسره الإنسان وكل واحد فينا لو فعل مثل فعلة هذا الرجل النبيل، أننا وبكل سهولة نحتاج إلى التغلب على شهوات أنفسنا في التشفي والعتاب أننا في أمس الحاجة لكي تصفو نفوسنا وترتقي عقولنا إلى ركوب كل ما نراه صعبًا في علاقاتنا الأخوية ونحاول تذليل العقبات التي يحاول شياطين الجن والأنس إلقائها في طريق علاقاتنا ودق أسفين الخلاف ولنجعل الخلق الذي ربانا عليه ديننا الحنيف نبراسًا ونورًا وقائدًا إلى كل ما هو جميل في تعاملاتنا نعم الأمر بسيط وصعب في نفس الوقت يكون بسيطًا جدًا إذا حاولنا التغلب على أنفسنا وجاهدناها جهادًا كبيرًا وارغمناها على ركوب الصعب بتصور النتائج الحسنة وراحة الضمير وسعادة النفس وكذلك يكون صعبًا إذا سرنًا وراء الظنون واتخذنا الجهل مركبا إلى علاقاتنا فهدمنا ما كان يجب بنائه منها.

وفي الحقيقة لقد أعطاني هذا الصديق درسًا عمليًا لبناء علاقاتي على أساس متين من حسن الظن والتماس الأعذار تلو الأعذار لإنسان من طبعه النسيان والسهو والخطأ فلو أخذنا كل حركة من صديق على أنه تجاهلنا عمدًا ودخلنا في وساوس وظنون حينها لن نجد صديقًا أو اخًا أو رفيقًا نعبر به معترك هذه الحياة التي تحتاج إلى كثير من أخوة ورفقه صالحة وصداقات حميمة كلنا ينسى وكلنا يخطئ ومن في الناس من تصفو مشاربه.

فلنشكر الله أولاً ثم نشكر الظروف التي هي من أقدار الله  أن وضعت في طريقنا اناسًا يعطوننا دروسًا بالمجان في الأخلاق في النبل والانسانية والتعامل الحسن وتقول لنا بصمت لتحرك ضمائرنا وتوقظها من سباتها تقول لنا أن الحياة لا تحتاج سوى إلى حسن ظن ورؤية صادقة في التماس الاعذار ونبذ كل ما يعكر صفو الاخاء من سوء ظن ، فإذا بعلاقاتنا تسمو وترتقي إلى أعلى درجات الكمال فشكرًا للظروف التي تعلمنا كيف تكون النفوس كباراً.

إبراهيم يحيى أبو ليلى

مقالات سابقة للكاتب

5 تعليق على “النفوس الكبيرة

أحمدبن مهنا

حسن الخلق من أعظم النعم ، وهو مع البر أكثر مايدخل الناس الجنة !
وقد نجده في بسطاء في ظاهرهم وهم في الحقيقة عظماء ، فخيار الناس أحسنهم أخلاقا ، والعافين عن الناس وعدهم الله بالمغفرة والجنة ، وفي الحديث (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)
وشكرا للكاتب ، بمثل هذه المقالات تنشط الصفات الجميلة .

وضاح

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية إجلال وتقديرا لأستاذنا صاحب القيم الاصيله الثابت في المواقف مع الحق لا المتلون مع ألوان الطيف في زمن كثر الرجال فيه في العدد ولا القيم الا من رحم ربي.
المواقف هي معيار الرجولة الحقيقيه اما التصرف بحكمه ورجوله او العكس فالحياة مليئة بالدروس والمواقف التى تترجمها الافعال لا الاقوال.
في حياتنا أصدقاء يجب المحافظه عليهم لان وجودهم في الحياه من الضروريات لمافيها من دعم وتوازن داخلي ومن العناصر المهمه لسلامتنا من الناحية النفسيه استاذنا الفاضل من أسباب تحول الصداقة الى علاقه سامة حينما نجعل للشيطان باب ينفث من خلاله سمومه ليلوث اجواء المحبة ويسلط من خلاله جيوش الشك والضن السيئ ضد أصدقائنا ولا نلتمس الأعذار لهم فالطيبه ليست غباء والتسامح ليس ضعف والظن الحسن ليس استغباء والتواضع ليس اذلال للنفس ونقص من كرامتها او امتهان لها.

ديلاور

قصه تجسد مشاعر انسانيه رائعه فالصداقة الحقه التى لا تبنى على مصالح او تبادل منافع لا تقدر بثمن وماتحويه القلوب النقيه من مشاعر تجاه أحبتها أسمى ما في الوجود والتعبير عنها بالعمل توفيق يمنحه الله لمن يشاء من عباده.
غفله لها مايبررها عندما تكون النيات صافيه
فنعم الأصدقاء هؤلاء كل منهما عبر عن مشاعره الحقيقه تجاه الآخر بكل صدق فالمواقف تفضح زيف المشاعر فالصديق الحقيقي يعدو ثروه في هذا الزمن تشكو اليه الهموم تشاركه الأفراح يشاطرك الاحزان تأمنه على أسرارك ومطلع على أحوالك
تمسكوا باصدقائكم اغفروا زلاتهم اذكروا محاسنهم اخلقوا لهم الأعذار فالمشاعر تمر بفتره فتور وما تلبث الا ان تعود وتسترد عافيتها. لا تخسروهم من اول هفوه
الاستاذ ابراهيم لقد تطرقت لموضوع يهمنا جميعا وان اغلب مشاكلنا يمكن تلافيها بكل بساطه متى ما كانت النوايا صادقه والقلوب طاهره

مرضيه هوساوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أستاذ ابراهيم الفضل ان الصدقات اصبحت عمله شبه معدومة في زمان التغيرات أصبحت هناك طبقات في القمة
ماشاء الله كلام جميل جدا انت فخر في المجتمع
الله يسلمك يارب صاحب الريشة الذهبيه

محمد ساني إبن عبد الكريم

أخي الكريم ومعلمي الفاضل وحبيبي الغالي الصحفى القدير الأستاذ أبا ليلى إبراهيم يحى،
عادة لا أقرأ لك المقال لمرة واحدة، وإنما لا بد من تكرار القراءة لعظم الفوائد فيه،
وغالبا أعجز عن محاولة الرد الملائم،
ولولا غض الطرف من قبلكم لما سطر التلاميذ أمثالي لكم حروفا،
فشكرا جزيلا على إتاحة الفرص لقلمي الرضيع،
لا يورّث النبل ولا يوهب الكرم ولا الشهامة بين الناس،
وهذا التصرف النبيل قوبِل بمثله من لدن صاحب الوليمة،
وبذلك شدنا المقال الرائع كعادة كاتبه ما شاء الله،
فالحمد لله ما يزال نبع الخير يُفيض به بيننا،
دام هناك أصحاب النفوس الكبيرة والخصال الحميدة بيننا،
لا فض فوك أخي ومعلمي وحبيبي وسيدي.

محبكم التلميذ المجتهد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *