الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده سيد الخلق ومعلم البشرية محمد صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ..
شرفتني صحيفة غران المتألقة بدعوة للمشاركة في زاوية “يوميات متقاعد” فلها مني جزيل الشكر وعاطر الثناء .
مسيرة حياتي وضعتها بين اسمين من أسماء الله [الشكور -الغفور] الشكور يشكر سعينا في هذه الحياة ويضاعف أجورنا والغفور يغفر زلاتنا وتقصيرنا ونحن بفضل الله من الجيل المكافح المواكب للتغيير والتطوير في المحافظة وقدمررت في حياتي بعدة مراحل وكل مرحلة أجمل من أختها في أحداثها وروعتها .
ذات مساء كنت واقفةعلى أطراف أصابعي لأتمكن من الوصول لحافة (الزير) والزير: وعاء مصنوع من الفخار كمثري الشكل يحفظ الماء ويبرده وتمكنت من ذلك وشربت الماء لوحدي دون مساعدة أحد مع تشجيع والدي وابتسامة تنير وجه والدتي نمت تلك الليلة على هذا الإنجاز الأول في حياتي على أمل تكراره كل يوم .
وفي الصباح استيقظت من نومي لأجد نفسي في بيت خالتي وعندهم زير كبير لايلائم طموحاتي فانطلقت مسرعةإلى بيتنا لأشرب جرعة ماء ،وهناك كانت المفاجأة إمرأة تسكن بيتناغريبة الملامح بيضاء البشرة شقراء الشعر لم آر مثلها من قبل استقبلتني قائلة أنا فريال وأنت شو اسمك؟ أخبرتها باسمي ثم سألتني شو بدك؟ لم أفهم سؤالها ولكنني ذهبت إلى الزير وشربت منه ورجعت إلى بيت خالتي ..
أتدرون ماذا حدث في بيتنا ؟ لقد تحول مابين ليلة وضحاها من سكن إلى [ الإبتدائية الأولى بخليص للبنات] ، هكذا بدون اَي مقدمات ، تكرر ذهابي إلى المدرسة (بيتنا) يومياً وقد حضرت معهم حصص وأهمها حصة الرياضيات الدرس العدد (٩) والمعلمة اسمها سهام ، أذكر تفاصيل الدرس كأنه الآن فقد لبست المعلمة قبعة على رأسها تمثل الدائرة للعدد ٩ وجسمها يمثل عصا العدد ثم قامت بخلع القبعة ووضعتها على رأسي ربما شفقة منها علي من حرارة الشمس ٠
وبعد سنتين انتقلت المدرسة إلى المبنى الجديد فانتابتني نوبة من البكاء رغبة مني للذهاب للمدرسة والتعلم فيها ورأفة بحالي وافقت إدارة المدرسة ومديرتها أ-فريال على دخولي المدرسة مستمعة والعام الذي يليه يتم تسجيلي رسمياًفي المدرسة.
أحداث جديدة في المحافظة طوال المرحلة الإبتدائية أهمها:
١-افتتاح مدرسة لتعليم البنات
٢-زيارة سمو الأمير أحمد بن عبد العزيز للمحافظة
٣-استقبال مجموعة من الطالبات وأنا معهم لسمو الأمير مرددين النشيد
أميرنا أميرنا. مسكنه قلوبنا
تحية لأنه إلى العلا يقودنا
وألقت إحدى طالبات الصف الرابع كلمة أمام سموه وأهداها قلمه الخاص
٤- دخول الكهرباء والسباكة البيوت
٥-دخول التلفزيونات عند بعض الأسر
٦-انتقال بعض المعلمين لمدينة الطائف (دراسات تكميلية)
٧-دخول الثلاجات والغسالات في البيوت التي سافر أصحابهاخارج المحافظة
٨-اكتساب لهجات وخبرات جديدة من معلماتنا
٩-الولاء والحب للدولة وللحكام
١٠-التعرف على قضية فلسطين
أما المرحلة الإعدادية فقد انفتح المجتمع وزادت ثقافته نتيجة التعايش مع جنسيات مختلفة عن طريق المعلمات من : مصر/ فلسطين/ الأردن/ العراق ، وهنا يتضح دور المرأة وتأثيرها البارز في المجتمع فبمجرد تعليمها وتطورها ظهر ذلك جليا واضحاً للعيان في المجتمع كافة .
المرحلة الثالثة
المعهد وتم فيه إعداد معلمات لخدمة المحافظة مع صعوبة المناهج وكثرتها ، فنحن نختبر في اليوم ٣مواد (مادة علمية، مادةأدبية ،طرق تدريس) ومع ذلك اجتزناها بفضل الله بكل ثقة وتخرجنا معلمات درسنا في نفس المحافظة .
بعدذلك رغبت في إكمال دراستي في الكلية المتوسطة وقدمنا طلبنا أنا وأحدى المعلمات وثلاث من طالبات المرحلة الثانوية وتم قبولنا أنا وزميلتي في قسم “علوم ورياضيات”بينما طالبات الثانوية لم تقبلهن الكلية ومع اعتذار زميلتي قررت الاستمرار وعدم الرجوع عن هدفي ولكن كيف تكون دراسةمناهج حديثة تم تطويرهامنذ عشر سنوات مضت لكنه التحدي والرغبة في التجديد ومع عدم توفر مواصلات طلبت من عميدة الكلية تحويلي إلى الكلية المتوسطة بجدة وكان ردها صادماً : “هذا من سابع المستحيلات اذهبي للإشراف يحل مشكلتك” ..
هنا وقف الجميع ضدي ونصحوني بالعودة لمدرستي فأنا الحمدلله متعلمةومعي راتبي ودراسة الرياضيات الحديثةنوع من الجنون وضياع للوقت ولم يقف معي إلا أخي وهل هناك مثل الأخ في مثل هذه الأزمات وقرر في نفسه الانسحاب من الجامعة وتوصيلي إلى الكلية ثم الذهاب إلى مكتب الإشراف وشرح معاناتي في عدم توفر مواصلات وطلب تحويلي إلى الكلية المتوسطة بجدة واستمرينا أنا وأخي نطوف بين مكاتب الإشراف بقسميها الرجال والنساء لعل أحد منهم يلطف بحالنا ويساعدنا في التحويل للكلية بجدة لمدة ٥أسابيع ، وعندما ضاقت بنا الحيل ويئست من التحويل لجدة صدمني أخي بانسحابه من الجامعة فضاقت بي الأرض بما رحبت وبلغت من الضيق منتهاه وأثناء ذلك التفت لأخر غرفة من غرف الإشراف مكتوب عليها رئيسة إشراف مدارس خليص واسمها أ/ سميرة مغربي ، دخلت مكتبهابدون استئذان وانفجرت باكية عندهاوسلمتها ورقة بها طلبي ومعاناتي فقامت برفع سماعة الهاتف وطلبت من أحد الموظفين استلام الورقة التي بيد أسامة المغربي ورفعها مباشرة للرياض وبعد أسبوعين تم تحويلي إلى الكلية في مدينة جدة ..
سكنت مع عمي وزوجته وقد هيأوا لي كل أسباب الراحة لكن المشكلة ليست في السكن بل في المناهج الغريبة التي لاأفهم منها شيء، وبعد محاولات وإصرار على النجاح بتكثيف المذاكرة ومرافقة المتميزات والسؤال عن تفاصيل المناهج صغيرها وكبيرهابل الذهاب إلى بيوتهن للمذاكرة معهن ومما زاد الطين بلة زواجي وحملي واستياء صحتي ونقص الأكسجين في الدم وصعودالسلالم ٣أدوار والانتقال من مبنى لآخر كل ذلك يجعل النجاح ضرب من الخيال ومع زيادة الالحاح في الانسحاب زاد تمسكي بالنجاح والتخرج من الكلية وقد تم ونجحت والحمد لله وتعينت كأول معلمة تخصص رياضيات في المحافظة .
وأختم أخيراً بهذه الأبيات
تدري وش اللي بالخلايق يمشيك
ويحط لك بين الناس قيمة وشيمة
طيبك وأخلاقك وصادق مباديك
ونفس بشوشةبالتعامل حشيمة
حنان سعد المغربي