بالأمس رحلت أم ياسر بعد أن عاشت حياة ملؤها الابتلاءات ، فمنذ ولادتها وهي تعاني من الآلام والأوجاع ولكن لسانها لا يفتر من الحمد والثناء لله الرحيم ، وقلبها عامر بالشكر للمنعم الكبير. عانت كثيرا وصبرت صبرا وقفنا أمامه حيارى وهي تبتسم لخطوب الدهر صامدة شاكرة صابرة محتسبة ، مات ابنها الأول وهو في زهرة الشباب ثم لحقه الآخر وهي تحتسب أبناءها وتقول لقد اكرمني الله بفقدهم وأسال الله أن يجعل موتهم ذخرا لي في الآخرة ، ثم لحقهم ياسر الذي كانت تعقد عليه الآمال ، وحقيقة فجعت فيه وأيضا أظهرت صبرا وجلدا يعجز عنه أقوى الرجال ، وهذا لا يتأتى إلا بعون الله ورحمته بعباده ، وقفنا أمامها حائرين وظننا نحن إخوتها وأخواتها وكلنا أكبر منها سنا أنها ستنهار ، وعندما رأيناها صابرة محتسبة أيقنا أن الله قد أعطانا أختا تعلمنا كيفية الصبر على البلاء ، هاجمها المرض العضال فو الله إني ملازم لها فما سمعت منها إلا الحمد والدعاء بأن يتغمد الله أبناءها ، وان يجعل مرضها كفارة لها. وقد رأت قبل ذلك أمها تموت أمامها بكت ما شاء الله لها أن تبكي ثم أرعوت وعادت لحمد ربها وفي النهاية علمنا أن حزنها على ياسر قد أخذ منها مأخذه تطلق بالليل والنهار ، أنات حرى مقرونة أيضا بالحمد لخالقها. قالت لي في إحدى المرات يا اخي حزني على ياسر قد قصم فقار ظهري، وفعلاً فقد أقعدها وأصابها بالشلل والفشل الكلويو فقد كان هو الذي يرعاها هي وابنتيها المكلومتين اللتين أسأل الله أن يجبر قلبيهما فقد والله فقدتا أمهما وهما في أمس الحاجة إليها ، ولكن الله أرحم بهما وأرأف.
قبل ثلاثة أشهر دخلت المستشفى وهي مقعدة ٱتيها أجالسها وأمازحها فتضحك ضحكات يخالطها الحزن لا على نفسها بل على أبنائها الذين رحلوا وهم في زهرة الشباب وعندما تحس أن الشيطان يريد أن يسلبها أمانها وايمانها بالله تعود فورا مستغفرة حامدة شاكرة لربها الرحيم ، كنا انا وهي قريبين جدا من بعضنا ربما لتقارب العمر بيني وبينها كانت تحن علي ورب الكعبة حنان الأم لا حنان الأخت وكل إخواتي وأخي لهم حنان لم أر مثله أبدا ، كنت أحرص كل الحرص على زيارتها لأنها قالت لي وبالحرف الراحد “والله يا أخي حين أراك أحس وأشعر أن الآلام حتى العضوية منها تخف وتضمحل طالما أنكم جلوس عندي وعند رؤيتك ورؤية بقية إخواتي وأخي وأبائهم وبناتهم الذين يحيطون بي ويخففون عني ٱلامي فالحمد لله الذي أكرمني بكم فلا تحرمني من رؤيتك” وكنت حريصا على أن أراها وأحادثها وأرى الفرحة على محياها.
وقبل موتها بأيام أظهرت لي حنانا جعلني أقف مشدوها كيف لي أن أرد كل هذا الكرم منها ؟ أعترف أنني عاجز وأسال الله أن يكرمها كرما يتعجب منه أهل السموات والأرض وليس ذلك بعزيز على ربنا الكريم. قالت لي مرة وانا أزورها في المستشفى : يا اخي اسال الله أن يدخلك الجنة فما تمالكت نفسي أن بكيت وقبلت رأسها وأحسست أن مثل هذه المرأة مستجابة الدعوة وأن فراقها جدا صعب على المرء لولا لطف الله بنا وأن يلهمنا الصبر على فراقها ، وبعدها دخلت في غيبوبة الموت أياماً معدودة ثم اتاني الخبر الذي كان كافيا لقصم الظهر مني لولا الإيمان بقضاء الله وقدره والتسليم له لما استطعت أن اتمالك نفسي ولكن لطف الله الذي آرجو أن لا يتخلى عنا هذا اللطف وفي هذا اليوم الخميس السابع والعشرين من شهر شعبان الف وأربعمائة وأربعين للهجرة انتقلت اختي الحبيبة الغالية أم ياسر إلى ربها الرحيم العفو الرؤوف فاسال الله أن يتغمدها بواسع رحمته وينزل على قبرها شٱبيب الرحمة وسحائب الغفران وان يجعل الفردوس الأعلى سكنا ومنزلا لها، ولا نقول الا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون.
نعم أخيرا لحقت بربها لتلتقي باذن الله بوالديها وأختها الكبرى وأبنائها .. اللهم اجمعهم وإيانا في الفردوس الأعلى من الجنة ، وأسألك يا جابر المكسورين أن تجبرنا وتعيننا على فراقها وان ترأف بأبنتيها وان تجعلهما من الصابرات مثلها يا أرحم الراحمين والحمد لله رب العالمين .
أخواني وأخواتي أدعوا الله أن يتغمد أم ياسر بواسع رحمته فو الله سوف يعطيكم الله أجر الدعاء لها جزاكم الله خيراً .
أخوكم : إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب