رسائل مبتعث – ٨

الرسالة الثامنة

مر يوم الأحد ولم أتحرك من غرفتي ، كنت غائصاً بين “”اليوتيوب اشاهد مقاطع تعلم اللغة الإنكليزية ، ومع عمك قوقل أطلع منه معاني كلمات ، ومع دفتر صغير اشتريته من السوق أكتب فيه كلمات ومعانيها وجمل كاملة ومعانيها ، وطبعاً النطق “عِشتو” ، المهم إني من بعد ما رجعت من السوق وأنا أعيش حالة من الثوران البركاني الداخلي … أقول لنفسي أنت فين كنت عايش ، أيش الأشياء اللي مرت عليك ولم تعطها أي إهتمام ، والآن عرفت قيمتها … لا أخفيك سراً بأني قررت أن أتخلص من كل الأفكار التعبانة عن اللغة الإنجليزية وصعوبتها ، وعن الغربة وقسوتها ، ولقد سمعت في مقطع على اليوتيوب يقول “تخيل إنك تطرد كل الأفكار السلبية من رأسك وتضع مكانها أفكار إيجابية” ، كلام حلو ، بس كيف أطردها وبعضها معشعش من زمان ويمكن فقّص وربى عياله ، ما أدري .. جاتني فكرة مجنونة وجريئة في نفس الوقت ، وعلى طول قررت أطقبها ، أوقفت اليوتيوب ودخلت لأخذ دش دافيء على بارد ، وتخيلت مع نزول الماء على رأسي بأنه يطرد كل الأفكار السلبية التي فيه ، وتحل محلها أفكار إيجابية ، بقيت على ذلك الوضع وكأني نسيت نفسي تحت الماء .. المهم خرجت وأنا بين مصدق ومكذب ، وعلى كل حال ستظهر النتائج في الأسابيع الأولى من الدراسة إن شاء الله … صحوت صباح يوم الأثنين وكنت قد طلبت من موظف الإستقبال من يوم الأحد أن يطلب لي تكسي الساعة 8 من صباح يوم الأثنين … طبعاً .. عمك قوقل جنبته على جنب حسب الطريقة السابقة ، وأتبعت معاه طريقة جديدة في تكوين الكلمات التي أرغب إيصالها لموظف أو موظفة الإستقبال .. وهي أن أدخل على عم قوقل نفسه وأكتب الجملة التي أريدها باللغة العربية وإنما أكتبها كلمة كلمة ، ثم أبذل المجهود “أبو مشعاب” يعني أقدم كلمة وآآخر الثانية حتى تعجبني الجملة أو على الأقل اشعر بأنني سوف أنطقها بسلاسة وأتوكل على الله ثم أدعم ، إذا فهموها من أول مرة فالحمد لله ، وإن لم يفهموها أبدأ في العك بين التقديم والتأخير مستعيناً بإشارات اليدين وإذا لزم الأمر بالرجلين حتى أفهمهم … يعني وأنا أخوك كسرت حاجز الخوف من الإنجليزي بشاكوش أكبر من رأسي وقلت لنفسي “يعني لو جات الجملة أو الكلمة غلط ، أيش بينقص مني” وإذا أحد ضحك .. خليه يضحك ، ما حد يعرفني هنا ، والله فعلاً وأنا أخوك الواحد يتعلم في الغربة أشياء كثير … مقابلة أبوعبدالله ، بعدين مقابلة الأخ “مدحت” البائع العربي أعطتني دافع قوي ، هذا الأخ جاء ما يعرف أنجليزي ولا عنده إلا الشهادة الثانوية والقليل من المال الذي كما قال لنا بأنه لم يكن كافياً إلا للأسابيع الأولى فقط … وأضطر أن يعمل في عدة أعمال ، وأن ينام لأيام وليالي في بيوت المتشردين والذين يسمونهم هنا “هوم لِسْ” بحيث يستأجر فقط سرير بمبلغ بسيط وأحياناً لم يكن يجد أجرة السرير فينام على كرسي موقف الحافلات ، وبتوكله على الله وصل الآن إلى مرحلة تعليمية عالية … يعني ماعاد أنا إبراهيم إللي تعرفه … لا تخاف الأصل موجود .. ربما تقول هذا من أسبوعين يقول كذا ، فكيف بعد سنة .. أطمئن أخوك أخو .. بس من اللي سمعته زاد عندي الإصرار على التعلم حتى شعرت بأنه صنع داخلي شخص آخر ما هو الشخص الذي أعرفه ، ربما كان موجود من زمان ولكن لم أكتشفه إلا أمس … المهم ستسمع إن شاء الله أخبار طيبة عن إبراهيم الجديد .. خرجت من غرفتي متوجهاً إلى بهو الفندق وبمجرد أن رأني موظف الإستقبال أشار أليّ ما فهمت منه بأن التاكسي في الخارج ، كنت حاملاً معي جميع أوراقي بما فيها الشهادات والجواز والـ أي تونتي ، وتوكلت على الله متجهاً مع صاحب التاكسي إلى المعهد … طبعاً صاحب التاكسي أخذ وأعطى معايا في الكلام ، وبدأت أصرف له من الذي تعلمته من يوم ما خذلني عمك قوقل مع موظفة الإستقبال في الفندق .. يمكن تقدر تشبهني بالذي يعزف على النوتة .. إنما أنا أتكلم على النوتة ، الدفتر الصغير في يدي وكل ما سمعت منه كلمة أغوص لفترة قصيرة في الدفتر ويكون ردي غالباً وبثقة كبيرة “نو أندرستاند” يعني ما فمهت ، وإذا شفته أستغرب أو لم يفهم أضيف عليها “إنجليش نو قود” ومعناها “لا أتكلم الإنجليزية” وهي كلها طبعاً إنجليزي مكسر ، المهم أخذت في نفسي مقلب إني أتكلم إنجليزي وأنتهينا .. وصلت المعهد ، وأنا متخيل نفسي وكأني داخلاً حلبة مصارعة مع الإنجليزي أو كأنني داخل إلى عمق البحر وأنا لا أجيد السباحة ، يعني ما عندي إلا طريقة واحدة ما فيها رجوع .. إني لازم أخرج من هذا المعهد وأنا زي ما يقولوا بلبل في الإنجليزي ..أعطيت صاحب التاكسي الأجرة وكما تعلمت من راشد أعطيته زيادة عليها إكرامية ، وبمجرد أن فتحت باب المعهد … كانت المفاجأة الكبري التي لم أتخيلها في حياتي .. ولكنني رأيتها وأذهلتني ، كدت أن أرجع إلى صاحب التاكسي وأقول له ترى أنت غلطان … شيء لم أتوقعه أبداً ، سوف أخبرك ما هي المفاجأة في رسالة تالية … إلى اللقاء.

للإطلاع علي الحلقات السابقة : اضغط هنا

 

2 تعليق على “رسائل مبتعث – ٨

أبو سعود

حلقة رائعة كسابقاتها
بانتظار المفاجأة :)

عبدالعزيز الصحفي

الأخ أبو سعود
جزاك الله خيراً على المتابعة ، داعياً الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *