الرسالة التاسعة
سمعت أصوات عالية قادمة من الداخل .. أصغيت قليلاً ،، نعم أصوات أُناس يتكلمون باللغة العربية .. أكتشف بمجرد دخولي باب المعهد بأن أغلبه سعوديين أو هكذا خمنت بنظرة سريعة وبحجم الأصوات العربية القادمة إليّ لأنهم متجمعين في الصالة وكما أعتقدت بان لديهم فسحة صغيرة ، تخيلت نفسي في الثانوية ،، كيف كذا ، كيف أتعلم أنجليزي هنا … أتمرن وأتكلم إنجليزي مع من .. المهم زي ما يقول المثل “طحت ولا طيحك البعير ، قال له وصلت الأرض” يعني ما عندي إلا أحط رأسي مع الروؤس وأتوكل على الله …أنسحب الطبة الموجودين في الصالة على دفعات ، ومشيت أنا خطواتي الأولى في الممر المؤدي إلى الإستقبال بتثاقل ، وبتردد ما رأيته قبل لحظات ، ثم تذكرت قول أبو عبدالله ، أتعرف ماذا قال لي أبو عبدالله من ضمن كلامه ، قال هناك قول شائع يردده بعض الناس وهو “الإنطباع الأول ، هو الإنطباع الأخير” قلت له ، وبعدين ، قال هذا كلام شبه صحيح ، فقلت له كيف ما فهمت ، قال لي يمكن الإنطباع الأول الذي أنت رسمته عن شخص ما أو موقف ما هو بناء على خبراتك السابقة وأنت أعطيته معنى بناء على ذلك ، ولكن عندما تكتسب بعض الخبرات في نفس المجال أو عن شخص ما ، سوف يتغير عندك الإنطباع وإنما ستتذكر الإنطباع الأول ، وأتبعها ، بـ “فتح عينك ليس كل ما يكتبه بعض الناس في الإنترنت له مرجع ديني أو علمي” ، تذكرت كلامه وأنا متوجه إلى موظفة الإستقبال ، فقلت فعلا .. خلي الأفكار هذه على جنب وخش على الإنجليزي “عِدِلْ” ، طبعاً طلعت النوتة وبدأت أعك مبتداً كلامي بـ “أي أم نيو” يعني أنا جديد ، بس أنا قلتها ومستني تقول لي مرحباً وكيف حالك والأهل ومن هذا القبيل ، لكن ولا شيء من هذا حصل ، أخذت الأوراق مني ، وقالت لي “ويت” يعني أنتظر وأعطتني ظهرها متجهة إلى داخل المكاتب .. وأنا وقفت محتار أيش القصة ، أنتظرت حوالي خمس دقائق بعدين أتجهت إلى مجموعة من الكراسي أمام الإستقبال وزي ما يقولوا رميت نفسي على أقرب كرسي أضرب أخماس في أسداس ، وأنا أقول لنفسي هيا عاد الأوراق إللي معاك كلها عندها ولا تعرف حتى شكلها زي الناس ، يعني مالك إلا تنتظر يا أبو خليل ، مر وقت غير قصير وعيوني معلقة على الإستقبال ، فجاءت وأشارت لي بأن تعال قائلة “كوم هير بليز” وكان معها شخص آخر ، عندما نطق ، تشهدت وشعرت أن روحي رجعت لي ، قال لي بالعربي أهلاً وسهلاً ، وأول ما قالها قلت بدون شعور أيوه كذا يا شيخ الله يستر عليك ، ثم قال هنا في كثير سعوديين وإن شاء الله بتنبسط معانا وأيضاً تتعلم زيك زي الباقين .. وبدأت التعليمات والأسئلة .. فعرفت أنني أحتاج إلى شهادة التطعيم وتكون باللغة الإنجليزية أو مترجمة ، وكذلك أحتاج بطاقة التأمين الطبي ، وبما أن عمري أقل من 21 سنة لا بد أن أسكن في سكن المعهد لأنه تابع للجامعة ، “أها” ، هنا وقفت وسرحت ، يعني راحت خططك مع منصور بالنسبة للسكن ، ولكنه أتبعها وقال إذا كان لك قريب أو صديق هنا عمره أكثر من 21 سنة يجينا يوقع على أوراق بأنك تسكن معاه ونعفيك من هذا الشرط ، هنا أرتحت لأن منصور بعد الثانوية درس سنة في كلية المجتمع ولم يكمل وبعدها أشتغل سنتين وعمره الآن أكثر من 21 ، بعد أن أعطيته شهادة التطعيم والتي لحسن الحظ كانت معي وكرت التأمين الطبي ، الذي طبعه لي راشد من موقع شركة التأمين المتعاقدة مع الملحقية الثقافية بأمريكا ، قال لي الموظف أستريح ، وطبعا أسترحت وإنما هذه المرة وأنا مطمئن ، عرفت أسمه وركزت على شكلة ، يعني سويت فيها “ولد” أعجبك ، وقبل دقائق كنت رايح فيها شُربة ، تلاحظ إني قاعد أكتب لك بهلجة غير اللي أنت متعود عليها … الله يخلي مقاطع اليوتيوب علمتنا الكثير من الغث والسمين وأختلطت عليّ اللهجات .. لاحظت أثناء جلوسي أن السعوديين يمرون من أمامي طلاب وطالبات وكأنني ديكور على الكرسي ، كل واحد لاهي في نفسه ، قلت ما علينا الله يعينهم .. بعد قليل جاء واحد جلس بجنبي وقال السلام عليكم ، رديت عليه السلام ، وقال لي أنا أمس وصلت أمريكا .. قلت في نفسي أهلاً وضغطت على أهلا شوية .. الآن يا إبراهيم تقدر تفرد عضلاتك وتشتغل مطوف على أخونا هذا ، بدأت أفتي عليه ، خلاص أخوك خبير هنا ، ولم أكد أتكلم معه إلا وجاء ثالث ورابع وهكذا حتى أكتمل العدد حوالي عشرة بين طلاب وطالبات ، هنا توقف عندي الإفتاء وحشرت لساني وأنتظرت ، طبعاً كل واحد جاء قدم أوراقه وجلس .. بعد حوالي نصف ساعة أو أكثر قليلاً .. جاءنا الموظف الذي يتكلم عربي وقال لنا تعالوا معايا .. قمنا مرة واحدة وتبعناه .. ذهبنا إلى مبنى آخر ودفع كل واحد منا رسوم بسيطة وبدأ تصويرنا واحداً ، واحداً لأجل بطاقة المعهد ، وقال لنا إذا أي واحد فيكم عنده سيارة ، يصور إستمارتها ، ويسمونها هنا “ريجيستيريشن” ، ويصور رخصة القيادة الإمريكية ويحملها “أون لاين” يعني على النت على موقع الجامعة عشان ياخذ تصريح مواقف للسيارة .. طبعاً كله هنا مثل ما قال عادل إمام “الحسابة بتحسب” ، كل شيء بحقه .. بعد ما أنتهينا رجعنا معاه إلى مبنى المعهد ، وكل واحد أخذ أوراقه الأساسية ، وقال لنا الدراسة بعد أسبوع من الآن .. يعني يوم الأثنين القادم حيث يكون هناك إختبار تحديد مستوى وبقية الأسبوع كاملاً يسمونه “أورينتيشن” أي أسبوع تعريفي ، زي حق سنة أولى إبتدائي ، بس هنا ما في ولي أمرك يجلس معاك أويروح ويرجع يأخذك .. هنا أنت ولي أمرك بعد الله .. وقفنا نتعارف على بعضنا البعض ، عرفت أن بعضهم جاء مرافق مع زوجته ، وبعضهم مع أخته ، وبعضهن أتين مع أبائهن ، وبعضهم جاء مثلي وحيداً ، أما الأهداف مختلفة ، بعضهم جاء لتكملة ماجستير ، وبعضهم للدكتوراه وبعضهم مثل حالاتي للبكالوريوس ، وطبعاً الأغلبية في الإنجليزي “مييح” ، يعني زي السيارة اللي طالعة من الوكالة على “الزيروا” ، توادعنا على أن نتلاقى يوم الأثنين القادم لأن هؤلاء هم سيكونون رفاقي على الأقل لمدة سنة في رحلتي التعليمية لدراسة اللغة الإنجليزية ..ذهبوا وبقيت وحيداً ، وطبعاً أشتغل عندي “حساس” اللقافة وقلت أسال واحد من الطلاب القُدامى في المعهد ، بدأت أتفحص الأوجه وأنا أتذكر كلمات راشد في إكتشاف الطلاب الجدد لأتجنبهم ، بعد تفحص شاهدت واحد كذا ماشي بثقة ومعلق شنطة متوسطة الحجم في ظهره وماسك “أي باد” ، قلت بس هو هذا .. تقدمت نحوه وقلت السلام عليكم ، قال لي “وات” ، قلت في نفسي ، بسم الله ، “وات” في عينك أتكلم عربي ، أشار إلى صدره قائلاً “بورتاريكو” وكررها “بورتاريكو” طلع أخونا مقلب ، طبعاً أشكالهم ما هي بعيده عننا ، .. غيرت الخطة قلت أتصنت ألين أسمع من واحد كلمة عربي بعدين أخش عليه ، طبعاً طبقت الخطة وكفشت واحد له في المعهد سبعة أشهر وهو في المستوى الرابع ، والمعهد كله خمس مستويات أو ستة مستويات .. المهم طمأنني وقال لي أنا أول ما جيت هنا ، دخلت إختبار تحديد المستوى وفي الإختبار ما كنت أعرف ولا كلمة إنجليزي ، نظرت إلى الورقة فزغللت عيوني وشعرت بدوخة ، فأختصرت الموضوع وقلت في نفسي ياولد مالك ومال الفلسفة ، دُبها دبة وحدة وخلص نفسك من بدري ، فكتبت لهم في الورقة بخط كبير (NO E) ، وسلمت الورقة بعد عشرة دقائق من بدء الإختبار ، أستغربت مني المُدرِسة ، وأخذتني خارج الفصل وجابت واحد يترجم ، قلت له هذا اللي عندي ، وطبعاً بدأت من المستوى الأول ، والآن الحمد لله أختبرت “توفل” قبل ثلاثة أسابيع وجبت درجة طيبة يعني 65 ، وباقي لي في اللغة خمسة أشهر وناوي أختبر إختبارين توفل ثانية لأنه مطلوب مني في الجامعة 75 في التوفل لأني جاي أدرس ماستر وورايا إختبار ثاني إسمه (جي أر إي) (GRE) ، وهذا قصته قصه عرفتها منه وسوف أخبرك عنها في الرسالة التالية إن شاء الله … إلى لقاء.
للإطلاع علي الحلقات السابقة : اضغط هنا