واجب وليس تفضلاً

كثيرًا ما أرى رسائل وأطروحات على شكل فيديوهات تُظهر شخص ما يقوم بخدمة والده أو والدته فتشتعل قنوات التواصل بهذا الخبر وبأن هذا الشخص باراً بوالديه فتنطلق كلمات الثناء والإطراء وكأنه أتى بشيء عجز عنه الأوائل.

وحقيقة وقفت كثيراً أمام هذه المشاهد أتعجب فترتسم أمامي علامة تعجب ثم ما تلبث أن تتحول إلى علامة استفهام وتدور اسئلة لا أقول ليس لها جواب بل الجواب واضح كالشمس في رابعة النهار، وكل منا إذا قلب صفحات القرآن الكريم وقرأ الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ يجد الجواب الشافي والكافي عن هذه الاسئلة، وكل ما أخشاه ويخشاه كل مربي ان يكون تكثر في هذا المجتمع العقوق ولا خير في مجتمع فيه الكثير من العقوق من قبل الأبناء نحو الآباء والأمهات.

وليعلم كل من ينشر فيديوهات ومقاطع عن بر الوالدين أن هذا البر ليس تفضلاً من الأبناء على الآباء والأمهات ولا منة  إنما هو من أوجب الواجبات عليهم ولو ظل الولد طوال حياته قابعًا تحت أقدام أبويه فلن يستطيع أن يرد ولو جزءاً يسيراً مما قدماه له ابويه منذ أن كان نطفة في ظهر ابيه ثم علقة في رحم أمه وكل طور من أطوار تكونه في الرحم المظلم حتى خرجإانساناً سوياً يرى النور وهو في كنف ابويه يحيطانه بكل الحب والعناية والود إلى ان كبُر واشتد عوده فاستطاع ان يصور نفسه أو يصوره غيره وهو يقوم بخدمة أحد أبويه أو كلاهما ويكيل الأصحاب عليه عبارات المدح والثناء وأنه رجل بار بوالديه.

 ما هكذا يكون رد الجميل والمعروف وكلنا يحفظ حديث رسول الله ﷺ حين صعد المنبر وهو يقول مرات ثلاث آمين وكان في إحداها يقول جوابًا لسؤال الصحابة عن قوله أمين أن جبريل عليه السلام قال (“رَغِم أَنف مَنْ أَدرْكَ أَبَويْهِ عِنْدَ الْكِبرِ أَحدُهُمَا أَوْ كِلاهُما فَلمْ يدْخلِ الجَنَّةَ”) فهل بعد هذا الحديث يفخر رجل في قنوات التواصل أنه بارٌ بوالديه ألا يدرك الأبناء أن خدمة الآباء والامهات هو من صميم الواجب عليهم وليس تفضلاً ومنة منهم على آبائهم وأمهاتهم ألم يقرأوا أقول الله تعالى وهو أمر من الله وان امر الله يجب ان ينفذ بدون منة (۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) الاسراء.

وروي (أن رجلاً حَمَلَ أُمَّـهُ في صَحْنِ الكعبة، يطوفُ بها على أكتافه، وهو في الثلاثين من عُمُرِه، يطوفُ بأُمِّـهِ على أكتافه في صَحْنِ الكعبة، ثمَّ سأله ابن عمر ـ رضي الله عنهما جميعاً ـ ويقول له: من هذه المرأة يا عَبْدَ الله؟. فيقول له الرجل: إنَّها أُمِّـي، وإنَّها الحجَّة التاسعة، إنَّها الحجَّة التاسعة التي يطوف بأُمِّه على أكتافه، ويسألُ الرجل ابن عمر ويقول له: يا ابن عمر، يا عَبْدَ الله، أَتراني وفّيتُها حقَّها؟ قال ابن عمر: والذي بَعَثَ مُحمداً بالحق نبياً ورسولا، إنَّك ما قُمْتَ بِشيءٍ من حقِّها ولو بِطَلقَةٍ من طَلاقاتها فيكَ ساعة الولادة، ما قُمْتَ بشيء).

اذا فأين الذين يتباهون بأنهم قد بروا والديهم حتى يقوم الناس بتصويرهم وعرضهم على الملأ بانهم بارين ألا يخافون من الرياء والسمعة وليعلم من هذا شأنه انه سوف يكبر وما أظن انه يحبذ ان يقوم  ابنه بتصويره على انه بار به فليحذر الناس من هذا الامر فإن للشيطان خطوات يهلك بها المرء ويلقيه في هاوية سحيقة من الفخر والثناء وربما الرياء بهذا العمل الذي كان من المفترض أن يكون واجب عليه ويحرص كل الحرص ان يؤديه بإخلاص ويدعو الله ان يتقبل منه ذلك العمل.

 

يقول أمية بن ابي الصلت

غَذَوْتُكَ مَوْلُودًا وَعُلْتُكَ يَافِعًا تَعُلُّ بِمَا أَجْنِي عَلَيْكَ وَتَنْهَلُ

إِذَا لَيْلَةٌ أَتَتْكَ بِالشَّكْوِ لَمْ أَبَت لِشَكْوِكَ إِلا سَاهِرًا أَتَمَلْمَلُ

 تَخَافُ الرَّدَى نَفْسِي عَلَيْكَ وَإِنَّهَا لَتَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ وَقْتٌ مُؤَجَّلُ

 فَلَمَّا بَلَغْتَ السِّنَّ وَالْغَايَةَ الَّتِي إِلَيْهَا مَدَى مَا كُنْتُ فِيكَ أُؤَمِّلُ

 جَعَلْتَ حِبَائِي غِلْظَةً وَفَضَاضَةً كَأَنَّكَ أَنْتَ الْمُنْعِمُ الْمُتَطَوِّلُ

 فَلَيْتَكَ إِذْ لَمْ تَرْعَ حَقَّ أَبُوَّةٍ كَمَا يَفْعَلُ الْجَارُ الْمُجَاوِرُ تَفْعَلُ

 

فاللهم نور بصائرنا  ودلنا على طريق الحق وأعنا على بر والدينا يا كريم .

 

 

إبراهيم يحيى ابو ليلى

مقالات سابقة للكاتب

8 تعليق على “واجب وليس تفضلاً

عبد العزيز تراوري

نعم لن

نوفيهم حقهم مهما فعلنا
رب ارحمهما كما ربيانا صغارا

سورجي

كلام جميل ابا ليلي حفظكم الله ورعاكم

وليد ابو خالد

جزاك الله خيرا يا ابا ليلي
أنار آلله بصيرتك كما انرت بصائرانا

غير معروف

حقا مهما فعلنا لن نرد ولو القليل من فضلهم
اصبح التوثيق في كل شي في البر وفي الصدقه
وإفطار الصائمين من كان يريده لوجه الله لايحتاج الي توثيق ذلك
مقال رائع جدا

غير معروف

جزاك الله خير الله يسعدك

ابراهيم مهنا

البر حق للأباء على الأبناء ، والفلاشات أفسدت الاخلاص في كثير من العبادات ، وماكان يخطر في البال أن يصبح الرياء بمهارات متنوعة بل وبصور تخالف المعقول بل تصبح مما يتندر به في المجالس
شكرا أخي أبا ليلى

ديلاور

لا تتعجب ابا ليلى حتى العبادات أصبحت توثق عند البعض وكذالك الصدقات أرسل احدى الأصدقاء مقطع لشاب وهو يتحدث عن اجر اخفاء الصدقه لينتهى المقطع بذالك الشاب وهو يوثق صدقته لرجل محتاج بالصوت والصورة
لقد فسدت النوايا عن البعض نسأل الله لنا ولهم الهدايه

وضاح

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نتقدم بأجمل واصدق التبريكات بالعيد للأستاذ ابراهيم وجميع القراء الأعزاء ولصحيفة غران ممثله بالأستاذ احمد الصحفي وفريقه المبدع وأعاده الله عليكم أعواماً عديدة بالخير والبركات
استاذنا الفاضل كعادتك ابداع وتميز وحضورا قوى من خلال مقالاتك التى تشخص ألداء وتصف الدواء ونسال الله ان نكون بارين بوالدينا ولكل منه له حق علينا باسم الدين والقرابه بعيدا عن الرياء والبحث عن اطراء او مدح الاخرين فهؤلاء الأعزاء الكرام رضاهم باب من أبواب الجنه ومهما عملنا ونعمل من اجل إسعادهم فلن نوفيهم حقوقهم التى امرنا الله بها بعد عبادته نسال الله ان يطهر قلوبنا من الرياء ويهدي ضالنا الى طريق الحق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *