“ببجي”!

في أحد الأيام الماضية القريبة ذهبت لكي أوقظ ابني لأداء الصلاة وهو في غرفته الخاصة في الجهة الأخرى من المنزل، وكان من المعتاد أن أقوم بطرق الباب قبل أن أفتحه مباشرة وذلك احترامًا للخصوصية وقبل أن أصل إلى الباب وإذا بصوتٍ يخترق كل الحواجز وفيه ما يشبه الاستغاثة وطلب المساعدة، وخُيّل لي أن هناك جريمة قتل سوف تحدث من خلال تفسير المفردات والكلمات التي سمعتها كالأمر بالقتل وإطلاق النار وتنبيه طرف آخر بأخذ الحذر وكل ذلك في لحظة ربما لا تتجاوز الخمس ثواني، وحينها رميت بكل ما يخص احترام الخصوصيات خلف ظهري وفتحت الباب مباشرة في اندفاع يثير الهلع لكي أتمكن من إنقاذ ما يمكن إنقاذه وإذا الوضع على عكس ما تصورته وجدته في انسجام عميق مع الشاشة التي أمامه وقد وضع سماعات الإذن ومعزول تمامًا عن ما يحيط به وحينها فهمت أنها لعبة إلكترونيه جديدة.

ومن باب حب الاستطلاع سألته عن هذه اللعبة وأسرارها، ليس للتعلم لأكون اللاعب الماهر مستقبلاً فأنا لا أهتم بمثل هذه الألعاب حيث أن لدي كراهية لها وملل منها من أيام الآتاري وكمبيوتر العائلة قبل ما يقارب ثلاثة وثلاثين عامًا، ولا يعرف الآتاري إلا من هم في جيلي عندما نجتمع عند أحد أبناء الأقارب في حي آخر، وفي بعض الليالي لا نجد الفرصة للعب من كثرة المنتظرين للدور أو دخول لاعبين لديهم واسطة تقربهم ويلعبون في دورنا ونعود مكسورين الخاطر على أمل أن نجد فرصة أخرى في وقت آخر.

المهم في الموضوع أجاب على تساؤلي بأن اسمها لعبة bbji وهي لعبة قتالية على شبكة الإنترنت تعتمد على محاولة البقاء للأقوى وأن هناك مئة لاعب آخر من شتى بقاع العالم وكيفية اختيار خريطة الطريق وتجميع الأسلحة والذخائر ومحاولة تصفية الجميع للانفراد بالبقاء والإحساس الفعلي والتعامل الجدي مع اللعبة بأنها حرب حقيقية بكامل عدتها وعتادها وخططها واستراتيجيتها، عندها وجهت له سؤالاً عن الفائدة المرجوة وهل يدرك ما يترتب عليه من ضرر؟، وكانت الإجابة كحال إجابة الكثير بأنها لقضاء وقت الفراغ وحب الاستطلاع فانصرفت وأنا على يقين أن لها آثارًا وأضرارًا كثيرة تحتاج إلى وقت أوسع لشرحها وإيضاحها وسوف أسرد في هذا السياق وبشكل مختصر الآثار المترتبة على ذلك دون ذكر فوائدها لأنها من الأصل ليس لها فائدة تذكر وقد تختلف كل فئة عن الأخرى من حيث الضرر، فصغار السن والمراهقين هم الأكثر عرضة وحتى البالغين يلحقهم جانب من الضرر، ومن أبرزها لدى صغار السن نشوء السلوك العدواني والإجرامي، وكذلك تدنّي المستوى الدراسي، والتضجر من الأهل في كل شيء بحيث أنه لا يريد من يقاطعه أثناء اللعب وأيضاً التعرض للإرهاق وقلة النوم وتضييع أداء الفرائض. 

وأما بالنسبة للكبار فهم يشتركون في بعض الأضرار مع الصغار وقد يميزهم العقل عن الصغار وقد يكونون في مأمن من انتهاج السلوك العدواني، ولكن يقعون في ما هو أعظم بإضاعتهم للفروض المكتوبة وهي بلا شك المصيبة الكبرى والخسران المبين، وكذلك التقصير في الواجبات الاجتماعية تجاه الأسرة وأهل بيته وربما تمتد آثارها لتصل إلى الموظف في عمله، والعمل أمانة وينتج عنها إهمال الأداء الوظيفي وتعطيل لمصالح الناس، وفقد الثقة أمام من استأمنه على أداء أمانة العمل والقيام بها على الوجه المطلوب وغيرها الكثير، ولو أطلقت العنان لمداد قلمي لطال الشرح في هذا ومن خلال متابعة الأحداث اليومية تبرز لنا بعض العناوين التي تحمل في تفاصيلها وقوع جرائم مروعة، تم قيدها في المخافر والمحاكم وبالتقصّي عن الأسباب نجد أن هذه اللعبة وغيرها لها التأثير الأكبر ومن الدوافع القوية لوقوع بعض الجرائم المؤلمة ومن لا يصدق فليرجع إلى سجلات الضبط وأروقة المحاكم ويرى الحقيقة الموجعة. 

وزيادةً على ذلك ارجعوا إلى تحذيرات الأطباء بهذا الخصوص فهي لا تصدر من فراغ وإنما من حالات تمر عليهم في اختصاص عملهم وألفوا من نتاجها البحوث والدراسات المثبتة بالأدلة الطبية من واقع التجربة العملية والعلمية. 

في النهاية دعوة من قلب يحب الخير للجميع وإلى من يهمهم الأمر لا تصلوا إلى مرحلة اليأس من المحاولة بشتى أساليب الإقناع لتركها أو التقليل منها في حدود المعقول ولا أن تصلوا إلى مرحلة ترددوا معها: ( لقد أسمعت لو ناديت حيًا.. ولكن لاحياة لمن تنادي). 

خاتمة؛ كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته.

حويمد بيشي الفارسي

مقالات سابقة للكاتب

2 تعليق على ““ببجي”!

عبدالله البشري

مشكلة حقيقية وطامة كبرى غزت كل البيوت
حال أبنائنا كحال إبنك أخ حويمد
لكن ما نفعل ؟
الشق أكبر من الرقعة
والسيل جارف صعب الوقوف في وجهة
شخصياً ليس لدي حل ولا فكرة للمخرج من هذا المأزق الذي استيقظنا لنجد أنفسنا فيه
وأبناؤنا أيضاً هم ضحايا لهذا المأزق
نسأل الله أن يمن علينا بمخرج من عنده وأن يلطف بنا ويهم.

ام طلال

تجأهلنا لأبنائنا وانشغلنا عنهم.. و حرصنا على أن يشغلوا عنا.. حقا كان هذا هو هدفنا.. وبالفعل تحقق و انشغلوا عنا

الحل ان نعيش معهم.. ان نقوم برحلات معهم.. ان ننزل إلى مستواهم.. . ننظم جلسات.. دون أن نصطحب هذه الأجهزة معنا. ان نفهم جيدا انهم يبحثون عن شيء يقتل الفراغ.. لأنهم يعيشون بلا مهام.. ..

ان نفهم اننا نحن من صنع هذه الماساة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *