في هذه الأحرف اليسيرة، أسعى مستعينة بالله لإلقاء الضوء على أوجه الشبه والاختلاف بين الحاسد وآتي الساحر، فلكل منهما ضرر على المجتمع، لاسيما إن كثر وفشى، أو وقع ممن يحسن به الظن!!
أ. أوجه الشبه:
يجتمع فيهما صفات إبليسية تتمثل فيما يلي:
١- كلاهما كاره فضل الله على غيره، متمنٍ زوالها.
٢- كلاهما يسعى بفعله لزوال تلك النعمة إما بالعين إذا قصد الإضرار، أو بالكلام، أو بإتيان الساحر.
٣- يستويان في الإضرار بالآخرين، بتعطيل المصالح، وقد يصل ذلك إلى القتل، أليس قد قال عليه الصلاة والسلام للذي أصاب أخاه بسببه: “عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ؟” .
٤- يدلان على نقص إيمان العبد وضعفه.
٥- يشتركان في التحريم وكونهما معصية لله عز وجل، وظلم لعباده.
ب. أوجه الاختلاف:
١- ينفرد السحر بكونه كفر، ولا تقبل صلاة آتي الساحر أربعين يوماً.
٢- الحسد قد يقع بقصد وبغير قصد، فتقع عين الإنسان على ما يعجبه ويتتبع ذلك من باب الفضول فتتوق نفسه ويتحسر على أقداره ثم تقع منه العين؛ لضعف إيمانه وإن لم يكن يتمنى زوالها عن غيره، فقد تكون العين مع حسد وقد لاتكون بل من قلة ذكر الله مع استشراف النعمة.
وآتي الساحر فعله لا يكون إلا بقصد منه.
٣- الحسد قد يقع من المؤمن ناقص الإيمان، كما في قصة ابني آدم، وإخوة يوسف.
والكلام عن الحسد يدخل فيه الكلام عن العين، فالحسد أعم إذ كل عائن حاسد، وليس كل حاسد عائناً، كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في بدائع الفوائد (٢/ ٥٤٨).
وأشير إلى الفرق بينهما بما جاء في موقع الإسلام سؤال وجواب وذلك بما يلي:
١- العائن أضر من الحاسد .
٢- الحاسد قد يحسد ما لم يره ويحسد في الأمر المتوقع قبل وقوعه، والعائن لا يَعين إلا ما يراه والموجود بالفعل.
٣- مصدر الحسد: تحرُّق القلب واستكثار النعمة على المحسود، ومصدر العين: انقداح نظرة العين، أو نفس خبيثة.
٤- الحسد لا يقع من صاحبه على ما يكره أن يصاب بأذى ، كمالِه وولده، والعين تقع على ما يكره العائن أن يصاب بأذى كولده وماله.
وفي شناعة الحسد جاء في الحديث الحسن عند الترمذي: “لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ الْإِيمَانُ وَالْحَسَدُ “.
ومما ينبغي أن يعلم:
أن الحسد سبب للسحر وموصل إليه، فكثير من الحساد حيلتهم السحر، فليحذر العبد من خطوات الشيطان!
ومع ذلك فضررهم موقوف على إذن الله وقدره!
قال تعالى: (وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)٠ۚ
وقال عليه الصلاة والسلام: “وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ” كما في الحديث الصحيح من سنن الترمذي.
وعلاج هذه الأدواء يكون: بالتقوى والصبر و الدعاء بالبركة.
قال عليه الصلاة والسلام: ” إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ، فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ ” والحديث صحيح من سنن ابن ماجه.
وقد ذكر النووي رحمه الله تعالى في المجموع ما يعين على نفي الحسد( ١/ ٢٨):
وهو أن يعلم أن حكمة الله تعالى اقتضت جعل هذا الفضل في هذا الإنسان، فلا يعترض ولا يكره ما اقتضته الحكمة.
وجاء في “مجموع الفتاوى” لابن تيمية رحمه الله تعالى (١٠/ ١٢٥):
ما خلا جسدٌ من حسدٍ، لكن اللَّئيم يبديه والكريم يخفيه.
وقد قيل للحسن: أيحسد المؤمن فقال:
ما أنساك إخوة يوسف لا أبا لك، ولكن عَمِّه في صدرك فإنه لا يضرُّك ما لم تَعْدُ به يدًا ولسانًا.
فمن وجد في نفسه حسداً لغيره فعليه أن يستعمل معه التقوى والصبر، فيكره ذلك من نفسه.
وقد تقرر مما سبق أن داء الحسد والسحر كلاهما يجتمعان في الفتك في المجتمعات، بتعطيل المصالح، وإيقاف سعي الباذلين الذي قد يصل إلى قتلهم والعياذ بالله، فكيف يرضى مؤمن بالله ورسوله أن يحمل قلباً حاسداً بين جنبيه!!
اللهم طهر نفوسنا من رذائل الأخلاق والأعمال.
حليمة توري
مقالات سابقة للكاتب