فلنعترف جميعا ونقر بإننا عالم ثالث كما يسمينا الغرب بغض النظر عن صدقه أو كذبه وبالنظر إلى أنفسنا برهة من زمن نطرح سؤالاً وبقوة .. هل نحن حقاً عالمٌ ثالث ؟!
بعد أن نقلب أمورنا وننظر في أحوالنا وتعاملاتنا مع بني جنسنا أو مع الجمادات والمرافق التي هُيأت لنا فمتى نقول بأننا عالم ثالث ومتى نرفض هذه التسمية لأنها تعتبر إهانة لنا ونحن لا نستحقها ولا يجب أن نوصف بها …
نحن نستحق بأن نوصف بهذه الصفة إذا كنا ..
عندما أُخرج من بيتي النفايات وأمام بيتي حاوية لها فأضع تلك النفايات خارج الحاوية وأمضي وكأن شيئا لم يكن ، أنا هنا أصنف عالم ثالث شئت أم أبيت لأن التصرف الذي قمت به يدل على ذلك ….
وعندما ألقي فضلات طعامي من نافذة البيت أو السيارة وأنا أرى أن الشارع نظيف جدا فبدلا أن أساعد في نظافته تأبى نفسي إلا أن تجعله قذرا فترتاح النفس اثرها أو حين أجلس في حديقة أو إي مكان عام واتمتع به نظيفاً ثم أقوم منه وفيه من القذارة ما الله به عليم وأكون أنا سبب ذلك ولا يتحرك في وازع من وخزة ضمير ….. فأنا هنا أصنف عالم ثالث وعندما أنظر الى انسان مثلي إلا أن فوارق الرزق قد تحكمت بيني وبينه وبرغم منا نحن الاثنين وليس باختيارنا فأتعالى عليه لانه أقل مرتبة مني أو اقل ذات اليد مني وأرى نفسي خيرٌ منه وأحكم الطبقية الجائرة بيني وبينه فأنا هنا أصنف عالم ثالث …
وعندما أسير بسيارتي وأرى أن الشارع إنما هو ملك لي أفعل به ما أشاء وكيف أشاء وإذا نصحني ناصح يريد صالحي أسبه وأصفه بأنه متطفل ويتدخل فيما لا يعنيه وأفعل ما يحلو لي ولا أبالي بسلامة الناس أو لا أطبق نظاما هنا أصنف بأنني من العالم الثالث بل والأخير إن قسمنا العالم وجزئناه …
وعندما أقف في الصف مع المصليين وأنظر شذرا إلى عامل أو أي شخص لا يروق لي واراه ليس اهلا بأن يقف بجانبي حتى في الصلاة واذا حاول ان يقترب مني ويلصق قدمه بقدمي كما يفعل المسلمون أسحب قدمي اشمئزازا ونفورا ولا أراجع نفسي وأكبح جماح غرورها وكبرها وصلفها واقول لها ربما هذا الذي تحتقرينه يا نفس لا اساوي بجانبه عند الله شراك نعله فارعوي يا نفسي وعودي إلى رشدك كي تُفْلِحي هنا لا أتصنف ضمن العوالم التي جزأناها وقسمناها لا بد أن يُفتح قاموس تصنيف البشر ليجدوا لي صفة تليق بما كان مني من تصرف ورعونة اخلاقي وعندما لا أستطيع أن أقف في طابور مع من أظنهم إنما جاءوا من بلدانهم ليخدموني وليس لهم الحق أن يقفوا حيث أقف أنا وقد يتقدموني إن جاءوا قبلي فهذا أمر غير مقبول بالمرة ، بالنسبة لي أصنف بقوة بانني من العالم الثالث بكل ما فيه من مساوئ حتى يصلح نفسه فيرتقي قليلا …..
وعندما أتمسك برأي مهما كان مخالفا للواقع بل ربما فيه ضرر وبرغم ذلك أتمسك به وأُجادل وأدافع عنه بكل ما أوتيت من قوة هكذا عنادا وتحجرا فقط ولا أقبل أي رأي مهما كان صحيحا لاني أرى صاحب الرأي الصحيح اقل شأنا مني ولا يجدر به أن تتفتق قريحته برأي فوق رأي لانني أعتبر نفسي أعلى منه رتبة سواء في العمل او غير ذلك هنا لا يجب أن أغضب وتحمر أنفي غضباً لأنني صنفت بأنني من العالم الثالث الأشد تخلفا بين العوالم وأنني أستحق هذه الصفة والتسمية بقوة وانني اهلٌ لها .. إذاً لماذا لا أحاول أن أغير من سلوكي وتعاملاتي مع من يشتركون معي في سكنى هذا الكوكب ….
ولكن هناك طريقة جيدة لتجعل مني العالم الأول بدون منافس وهو أن أطبق عقيدتي سلوكا ومنهاج حياة لا مظاهر تعبدية فقط والقلب خالٍ والنفس جوفاء من التطبيق العملي والسلوكي في كل أمور حياتي هنا أرتقي واسمو وبدون هذا لا يمكن أن أتزحزح من قاع التخلف والرجعية والجاهلية المقيتة ولايجب أن أغضب وأثور إن صنفت بأنني رجعي متأخر وأنني من العالم الثالث مهما قمت بتزيين مرافقي وما أقتني من متاع زاهي متلألأ في الظاهر وأما الباطن فيذخر بالفوضى واللامبالاة ، والأمم والمجتمعات إنما ترتقي وتسمو بالقيم والمبادئ المثلى والفضائل والأخلاق الفاضلة وتقدير الناس بشتى مشاربهم وألوانهم وأجناسهم .. صدق القائل :-
إنما الأمم الاخلاق ما بقيت
فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وصدق الله العظيم اذ يقول ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ).
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب