الشكوى من وظائفنا البائسة!

عندما نتّخذ الشكوى نديماً؛ فإننا نجعل بذلك اللامعنى عادةً لنا نمارسها دون وعيٍ منا.
انشغالنا بالشكوى الدائمة من عملنا سيُضيّع علينا أيّ فرصة لنرى تجربة عملنا كجزء غني من حياتنا.
وبدلاً من استخدام الوقت للعثور على معنى؛ فإننا نستخدمه للعثور على اللامعنى والتركيز عليه.
إن كرنفال الشكوى الكبير ليس احتفالًا، وإنما عربة كبيرة يملؤها البؤس.
شكوانا تُهوُّن من خبراتنا في العمل، وفي حياتنا الشخصية على حدٍّ سواء.
فعندما نشكو ننفصل.
وعندما نشكو نحمل -أيّاً كان الذي نشكو بخصوصه- كدرع بيننا. فنحن بذلك نُخلّد مجتمعاً قديماً من إحساس الضحية والعجز.
ولكن عندما نقضي الوقت للتواصل حول مخاوفنا وأسباب إحساسنا بعدم الأمان –حياتنا الحقيقية– فإننا نترابط على مستوى أعمق وأصيل.
وعندما نتصل من خلال هذه الإنسانية الأعمق، نخلق مجتمعاً جديداً من الدعم والإمكانية.
هذا لا يعني أننا ننكر أعباءنا، وأحزاننا، وهمومنا، والدخول في منظور مبهج للعالم.
ولكن فقط عندما نعرف معنى حياتنا؛ يمكننا أن نعرف حقّاً معنى عملنا.
إنَّ رغبتنا في المعنى، وليست رغبتنا في المتعة؛ أو رغبتنا في السلطة، هي ما يُنير حياتنا بالحرية الحقيقية.
وهذا تمييز مهم للغاية القيام به ونحن نستكشف السبل التي نقيم بها إرادتنا؛ لنكمل حياتنا وعملنا.
في التحليل النهائي لهذا الأمر، فإننا أحرار في اختيار ردودنا على كل ما يحدث في حياتنا،بما في ذلك تلك الأشياء التي تحدث في عملنا.
إن عملنا هو انعكاس لوجود أو عدم وجود معنى في حياتنا،سواء كنا ندير شركة،أو نقود حافلة، أو نحيك لحافاً، أو نطهو وجبة، أو ننظف غرفة بفندق.
إن الزيادات في الأجور الدورية، وحتى المكافآت المالية الأخرى لا توفر إلّا نوعاً من التأثير الوهمي، وخاصةً إذا استخدم أرباب العمل -وإن كان ذلك دون وعي- هذه الأدوات بطريقة تُعزِّز اهتمام العامل فقط بالراتب، وليس بالهدف أو أهداف عملهم.
وتأتي هذه الرغبة في المال كشكل من الأشكال البدائية من التوجه نحو السلطة.
أما عندما نختار المعنى في مكان العمل؛ فإننا نُولِي اهتماماً لكل شيء حولنا. فنختار بذلك الاحترام واللطف والمجاملة، نختار العدالة والإنصاف، نجلب اتخاذ القرارات الأخلاقية والمعنوية الخاصة بنا إلى وظائفنا، ونجد السبل لإحداث تأثير كبير وأثر طيب.
أحياناً قد يكون ذلك من خلال اعتراف بسيط بمجهودات زملائنا في العمل، وأحياناً من خلال كتابة رسالة نُعبّر بها عن ملاحظاتنا ومخاوفنا، وأحياناً من خلال تنظيم الدعم المُقدَّم من أجل إحداث تغيير بنّاء.
والأهمّ في ذلك كله، من خلال فهم أنه عندما نُحقِّق معنى بالعمل؛ فإننا بذلك نجلب معنا إمكانية تغيير حقيقي في مكان العمل وفي العالم مِن حولنا.
أهم شيء يمكننا القيام به هو إخراج المعنى إلى النور برفضنا لأن نبقى سجناء لأفكارنا، فيمكننا تحقيق رغبتنا في المعنى في العمل، وعملنا سوف يعني شيئاً عظيماً لنا.

سليمان مسلم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

2 تعليق على “الشكوى من وظائفنا البائسة!

أحمد بن مهنا

عندما يعطى الأقل أهمية أهميةً أكثر والعكس ..
يحدث خلل في التركيبة كلها ، ويعم سخط داخلي ، يحدث مايشبه أثر الحمى في التفكير ، تأمل قوله تعالى (يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء) فتسوء النظرة وتقصر الرؤية وتعكر السلبية الصفاء ، ثم لا غرو ستغيب المعاني السامية عن التفكير ويشقى فيما لا يستحق ، وتخمد نشوة القيم الثمينة التي هي سر السعادة في الحياة وربما ساد فكر ذاك القائل ( فداوها بالتي كانت هي الداء ) !
فالمنطلق أساس ، والمرء بحاجة لإيقاد فكره بالمعارف ليستنير ويبدع ويبصر الطريق وينظم سيره ويثبت خطاه ويتحفز بما أنجز ويتطلع إلى مابعده ، وفق معايير لا جدال فيها ولا مكان لرأي ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ) شكرا شكرا لسعادتكم ! كم لمقالاتكم من معاني مميزة ولو قلت نادرة لأصبت. تحياتي لكم.

سليمان مسلم البلادي

جزاك الله خيرا استاذنا القدير على الثراء العلمي وكلماتك الداعمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *