كم تساءلت بل وألححت كثيرا في السؤال، لماذا عندما نختلف في الآراء ووجهات النظر تنشأ بيننا عداوة وقطيعة لمجرد رأي، ولماذا لا نرتقي في حواراتنا ونجعل صدورنا تتسع للنقاش بدون أن نجعلها عداوة قد تصل لسنوات وربما العمر كله؟!
نحن نزعم أننا متعلمون ومثقفون وحين نجالس بعضنا البعض كل واحد منا يحاول أن يظهر تفوقه في الحوار والجدال ونجهّل الطرف الآخر ونريد بكل صلف وظلم ونحن ندرك أننا نرتكب الظلم ومع ذلك نحاول أن نكون أصحاب الحق ونلقي جانبا تأنيب الضمير ووخزاته ونمضي قدما في مغالطاتنا لأنفسنا وللآخرين ثم ندعي أننا قد وصلنا إلى القمة في الرقي الفكري والتقدم الانساني فالنعترف بأننا ضعفاء أمام أنفسنا وليست لدينا الشجاعة الكافية لأن نعترف ونعلنها بكل شجاعة واقتدار إذا اخطأنا ونقولها مدوية صريحة بأننا اخطأنا في هذه المسألة أو تلك هذه سبيل الشجعان الذين تغلبوا على أنفسهم و ينقادوا إلى العدل ولم ينقادوا لها حتى هوت بهم في مهاوي الظلم والصلف ، ولكن للأسف وأقولها والمرارة تعتصرني أننا لم نبلغ من الرقي ما نزعم وما نعطيه لأنفسنا وأعلم يقيناً أن مقالي هذا سيغضب البعض وأقول البعض الذين يتحسسون رؤوسهم ويظنون أن ما أقول يصيبهم وأنني أعنيهم فليهونوا على أنفسهم وأقول لهم رويدكم لا أشرفوا وتغربوا بظنونكم ارعووا …
اقول إذا كانت هذه هي أمورنا فنحن مازلنا في طور الحبو وإذا كنا نغضب من مجرد حوار قد يخطئ أحدنا ويصيب الاخر فنحن مازلنا في طور التعلم وليس عيباً أن نتعلم فن الحوار فالحوار ثقافة ، لماذا لا نقوم من مجالسنا الحوارية ونحن نحمل لأخواننا الود الذي جئنا به حين جلسنا في مجالسنا ؟ لماذا لا نتفوق على هوى النفس ونكبت جماح صلفها وتكبرها وغرورها ونقول لها يا نفس ارعوى فإنك والله على خطأ وأن الفجور في الخصومة من صفات المنافقين والعياذ بالله واربأ بنفسي وبكم أن نكون كذلك ولكن بمجرد أن يعلم الانسان أن هذه الصفة المقيتة قد يتصف بها أي شخص هنا لا بد أن نكبح جماح النفس النافرة إلى الباطل حتى ولو آلمنا ذلك فألم ساعة خير من ألم دهر وندم يطول بطول الزمان..
نحن عندما اخترنا أصدقائنا لم نخترهم بين عشية وضحاها بل جلسنا الليالي الطوال نمحص ونختبر حتى وقعنا على أصدقاء جيدين فهل من المنطق السليم والعقل الراجح أن نفقد من اخترناهم بتمعن وتمحيص ليس بالهين، أن نفقدهم في جلسة نقاش واحدة وربما يكون نقاشا تافها أو على أمر ليس بالمهم فنفقد أصدقاء جيدين جاد لنا الزمان بهم وقلما يجود الزمان بأصدقاء هذه صفاتهم ، هذا لا يعقل فلننتبه إذاً لتعاملاتنا مع بعضنا ولنحاول أن نتجاوز قدر الامكان عن هفوات بعضنا وزلاتهم فإن الانسان ليس بكامل أبدا وقد صدق الشاعر بشار بن برد حين قال :-
اذا كنت في كل الأمور معاتباً
صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتبه
فعش واحدا أو صل أخاك، فأنه
مقارف ذنبٍ مرة ومجانبه
أذا أنت لم تشرب مراراً على القذى
ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه .
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب