من المعلوم أن الشعر هو ديوان العرب كما يقال وقد تختصر كثيرًا من الكلام أن أردت توصيل معلومة إلى الناس ببيت من الشعر يغني عن كثير من الأسطر .
والشعر له موسيقاه في إذن واحساس المتلقي فمن خلال الاستماع يحرك ملقي الشعر في نفس المتلقي نشوة فيهتز طربًا لوقع الشعر ولا ينسنى هذا الامر ولن تستطيع توصيل المتلقي والمستمع إلى حد النشوة والطرب بأبيات القصيدة إلا من خلال إتقانك لفن الإلقاء.
فالإلقاء فن قد لا يقل ابداعًا عن قول الشعر وتأليفه، ولا يكون الإلقاء ابداعًا إلا إذا كان الملقي مطلع على قواعد اللغة العربية فأن اختلال أو كسر بيت أو جزء منه يذهب بحلاوة الإلقاء ولا نكون مغالين اذا قلنا ربما يفسد كل القصيدة، فيجب على الملقي أن يعرف أوزان الشعر وربما بحوره واين يقف في البيت من الشعر ومتى يستمر، ويعرف كذلك الحركات في اللغة وأعراب الكلمات ومتى تكون الكلمة مرفوعة بالضمة أو مجرورة بالكسرة أو هي في حال النصب السكون أو التنوين، ومن حيث الإضافة من مضاف ومضاف إليه وفاعل ومفعول به ونائب فاعل أو حال، وما إلى ذلك مما يصعب علينا في هذا المقال ان نعدده واظن أن الفكرة قد وصلت وأن سلامة مخارج الحروف من الأهمية بمكان لتكمل موسيقى الشعر في إذن السامع.
وكذلك الحركات التي يقوم بها الملقي سواء كانت اشارات اليد أو لغة الجسد من تمايل وتحريك الاطراف والإندماج مع القصيد اندماجًا تامًا ليصل بالمتلقي إلى حد الاستمتاع بالقصيدة وهذا الأمر حقيقة ليس بالهين فكم من شعراء يفسدون شعرهم الجميل لأنهم لا يجيدون فن الإلقاء وأكبر دليل على ذلك كما وصلنا أن أمير الشعراء أحمد شوقي وهو من هو كان لا يجيد الالقاء فكان شاعر النيل حافظ ابراهيم هو من يلقي قصائد أحمد شوقي.
وفي الحقيقة أن فن الإلقاء هبة ونعمة من الله سبحانه وتعالى وملكة ولا يمنع هذا أنه علم من العلوم التي يجب أن تدرس ويفتح لها معاهد لتعليم فن الالقاء وكما أن الفنون التشكيلية تدرس ولها معاهد فأن فن الإلقاء لا يقل أهمية عنها فالفنان التشكيلي يرسم على لوحات مادية أمامه وكذلك ملقي الشعر يرسم بحركات يديه وإيماءته الجسدية تشكل رسمًا على صفحة الهواء فيتلقى المستمع ما يرمي إليه الملقي فيهتز طربًا ونشوة ويصل إلى قمة الاستمتاع بالقصيدة.
ولقد سمعنا كثير عمن يشتكي من ردائه الشعر وفي الحقيقة ليس الشعر الرديء بل من ألقى القصيدة جعل الشعر رديئًا حتى ولو كانت القصيدة في قمة الروعة والإبداع والمتانة والعكس صحيح فكم من قصيدة رديئة جعلها ملقيها وكأنها في قمة الإبداع حين سمعها الناس من ملقي يجيد فن الإلقاء وانا من هنا اقترح فتح معاهد لتعليم فن الإلقاء مادام الشعر كما هو معلوم ديوان العرب وليس عنه غنى فيه يتغنون ويطربون وبه يشيدون بحبهم للأوطان وبه يعشقون ويهيمون حبًا وولهاً وبه يوصلون رسائل غاية في الأهمية وما دام الأمر كذلك إلا يكون من الواجب الملح أن تنشأ معاهد لتعليم فن الإلقاء واتقانه بلى يجب أن ينظر في هذا الأمر بجدية لكي لا تنطوي صفحة الشعر وجمال الاستماع والاستمتاع به .
وكما يقول الشاعر إيليا ابو ماضي:-
إن بعض القول فنٌ
فاجعل الاصغاء فنا
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب