يعرف الجميع كيف يجدر بأي شخص آخر أن يقوم بعمله، ولكن في -الغالب- لا أحد يعرف كيف يقوم بعمله بصورة تخلو من الخطأ.
فهو يملك نصيحة لكل شخص، ولكن يعجز عن تدبر أموره على نحو فعال يغنيه عن الناس.
والمتأمل لأغلب أحاديث المجالس والمناسبات الاجتماعية؛ يجد إنما هي لتزجية الوقت وقضاء ساعات تلك المناسبة التي نحضرها.
فلا يلزم منك تصحيح كل معلومة تراها خاطئة، وبيان وجهة نظرك المخالفة.
ولكن يمكنك ببساطة أن تتحدث بما تعرف أنه صحيح، وحسبك أن تعرضه دون أن تفرضه على الآخرين.
فتلك المجالس والمناسبات الاجتماعية ليست سباقاً محموماً من أجل ممارسة الوصاية العقلية، بل لمد جسور التواصل والقرب مع الناس.
فعليك أن تتزين بالبشاشة والاستماع والتواصل الفعال، لا أن تحضرها مشرعاً سيف الفرض عبر قصص الإرسال التي تتفن في حبكها.
فكن -في تلك المجالس والمناسبات الاجتماعية- مستمعاً جيداً؛ متحدثاً قدر الإمكان؛ تكسب راحة بالك وتكسب مودة الآخرين.
هذا ما يخص عالمنا الواقعي، أما على الجانب الآخر من عالمنا الافتراضي، فنجد أن وسائل التواصل تعج بالمواعظ والنصائح، ولو طبق كل واحد منا ربع تلك المواعظ التي نتراشق بها؛ فربما تتزاحم علينا الملائكة في الطرقات تصافحنا وحدانا وزرافات.
ومن شدة ما نمارسه من وعظٍ غير واعٍ، قيل: إذا أردت أن تتأكد من صحة معلومة؛ فاكتبها في قنوات التواصل الاجتماعي؛ وسيهرع القوم لتصحيح الخطأ الذي وقعت فيه.
ولعل علم الوعي له وقفة مع هذه الآفة المنتشرة فالوعي يقول لنا:
ليس ثمة ما يعزز الأنا أكثر من أن تشعر بأنها محقة.
فهذا يعني التماهي مع وضعية عقلية، مع منظور ما، مع رأي، مع حكم قيمي ما، مع قصة ما.
ولكي تكون محقاً -وفق مفهوم الأنا- تحتاج بالطبع أن يكون سواك مخطئاً، فتحب ” الأنا” البحث عن الأخطاء؛ لكي تكون محقة.
وبمعنى آخر: تحتاج إلى أن تجعل الآخرين مخطئين؛ لكي تستمد شعوراً أقوى بماهيتك. بل يمكنها تحويل ليس شخصاً فقط، بل ظرفاً أيضاً إلى مخطئ من خلال التذمر والتفاعلية، اللذين يحملان دائماً المعنى الضمني” هذا لا ينبغي أن يحدث” .
فأن تكون محقاً يضعك في موضع التفوق الأخلاقي المتخيل في ما يتعلق بالشخص أو الوضع الذي تحكم عليه وتجده مخطئاً.
إن هذا الإحساس بالتفوق الذي تبحث عنه “الأنا” وتعزز قواها من خلاله.
إن التماهي مع الأنا الزائفة التي بداخلك يمكنه أن يجد طريقاً للتسلل إذا وجدت نفسك تقول: “صدقني، إنني أعرف”، أو “لماذا لا تصدق أبداً؟”، فعندئذ تكون “الأنا” قد تسللت بالفعل. فهي تختبئ في الكلمة الصغيرة “إنني”.
فالحديث أصبح مشخصناً، وتحول إلى وضعية ذهنية. تُشعر “الأنا” بالتلاشي أو بالإهانة؛ لأن أحداً ما لا يصدق ما قد قلت.
حينها تأخذ “الأنا” كل شيء على محمل شخصي؛ فتنشأ المشاعر، والحس الدفاعي والمقاومة، وربما حتى العدوانية.
سليمان مسلم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي