ليس تهكماً على حالتنا مع وباء كورونا البغيض ،ولم نكن بحاجة الى أوبئة لنلتفّ حول بعضنا ، وفي كل الأزمنة السابقة كانت الأزمات مصدراً للإلهام أو السخرية أو العبرة ..
وكانت شعوب العالم فيما مضى تقتات على حاجة الناس لما يفتقدونه في بلدانهم من خيرات الأرض ومهارات المبدعين في شتى فنونهم وصناعاتهم ، ولهذا جاء القول الفصل في ( مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد ) ..
من هنا جاءت الأحداث متسارعة والأخبار متضاربة والتأويلات فاضحة ليس لأنها مستجدات في حياتهم ، بل لأن الفضاء مفتوحٌ على مصراعيه بل كل ( مصاريعه ) مفتوحة بلا قيدٍ ولا شرط ..
فالخبر الوارد لم يعد مصدره واحداً كما مضى ومَن يتناقله ليس بالضرورة أن يكون فاحصاً ومن ذوي الدراية والدًُربة والمهنية ، فأصبح المتلقي يضيف ما يشاء ويؤلف كيفما أراد ويتحدث في غير اختصاص ويُفتي وهو لا يُحسن التفريق بين ( الألف وكوز الذّرة ) كما يقول أحبابنا في مصر ، ثم يرمي بهذا العبث عبر وسائل متعددة ومتنوعة ومشوّشة وفيها من الحشو والكذب ( ما يزيد الطين بِلّة )، ومن ثمّ يتداولها الناس بذات التلقي السابق عن فلان عن فلان ..
واليوم بعد مضي هذه الأيام من تفشي وباء كورونا في العالم وفي دول كنا نحسبها ذات هيمنة وسيطرة وقوة على مفاصل عصب الحياة في العالم نكتشف بل نعيش حقبة تاريخية مختلفة تماماً عمّا ألفناه في سنواتٍ ماضية ، وغداً العالم رهن مراكز البحوث والدراسات ومعامل ومختبرات متخصصة ، ليس لها من الإختيار الا إيجاد الحلول الوقائية وهو الأمر المتاح في الأيام القادمة غير أن المعادلة قد تتغير في لحظة ما وتتبدل الأحوال ، ومن كان بالأمس يقرر ويهيمن ويسيطر فقد يصبح غداً متسولاً على موائد من كسب الرهان وتقدم في الصف الأول يكون وحده مَن يقرر وغيره يستجيب ..
إذن فلا سيطرة مطلقة دائمة ولا أمان للقادمين من الخلف ، لأن الإستراتيجيات تحتاج إلى عقودٍ من الزمن لتحقيقها وهذا ما تفعله الصين وقد سبقتها اليابان بعد (هيروشيما ) ..
بينما التفكير الغربي الأمريكي بالتحديد لا يعي هذا مطلقاً تحت مظلة ( كلُّ فطير وطير )
الفارق كبير بين النظر نحو الأبعد والنظر تحت قدميك..
( كورونا تجمعنا ) ليزيد تفكيرنا في مستقبلٍ للعالم إما أن نكون شركاء فيه أو متفرّجين أو متسولين على موائد لسنا من شارك في تحضيرها وصناعتها وقوتها .. وربّ ضارّةٍ نافعة يا كورونا .
أحمد آل مجثِّل
شاعر وكاتب إعلامي
مقالات سابقة للكاتب