رفضت اللجنة القضائية بالشورى توصية “تزويج المرأة نفسها دون إذن الولي“، التي تقدمت بها عضو الشورى الدكتورة إقبال درندري، طالبت فيها وزارة العدل بالتعاون مع المجلس الأعلى للقضاء، باتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة لتعديل نظام المرافعات الشرعية، وما يتعلق به من لوائح، بما يضمن حق المرأة البالغة الراشدة، في أن تعقد زواجها بنفسها أو أن توكل غيرها ودون اشتراط إذن ولي.
ولكن “درندري” أصرّت على مطالبتها، وأوضحت بعد رفض اللجنة لتوصيتها بأنها “ستقدم مقترحاً لتعديل نظام المرافعات الشرعية بما يضمن تحقيق هذه التوصية من خلال المادة 23 من نظام مجلس الشورى، والذي يسمح لأعضاء الشورى بتقديم تعديلات، وذلك نظراً لأهمية هذه التوصية لإنصاف العديد من النساء في السعودية اللاتي طالهن الضرر بسبب عدم قدرة المرأة البالغة الراشدة في تقرير مصيرها بنفسها في الزواج؛ مما سهّل استغلالها والتدخل في شؤونها وفرض الوصاية عليها وعضلها ومنع تزويجها”.
وبرّرت “درندري” تقديمها هذه التوصية بعدة مسوغات كان من أبرزها أن اشتراط الولي لعقد زواج المرأة فيه خلاف بين الفقهاء، والمتوقع-حسب قولها- ألا يُفرض مذهب أو رأي دون غيره إذا كان محل اجتهاد بين العلماء، خاصة وأن الظروف المرجحة لهذا الرأي تغيرت.
وقالت: إن “المذهب الحنفي يرى أن عقد النكاح يستلزم موافقة المرأة فقط، وأنه يجوز للمرأة الراشدة أن تعقد العقد بنفسها، ثيباً كانت أم بكراً، واستشارة الولي من باب الاستحباب، وليس شرطاً أساسياً في صحة عقد النكاح.
وأضافت: “وقد ساق أصحاب هذا الرأي أدلة قوية من الكتاب والسنة، أسند فيها أمر عقد النكاح للمرأة، ومنها قوله تعالى: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجاً غَیۡرَه}، وأكدت بعد رفضها من اللجنة بأنها ستشرع بتقديم ما يضمن إجراء تعديلاتٍ على النظام لتحقيق ما طالبت به من أجل النساء المعضولات ممن يعانين القهر والظلم من بعض أولياء الأمور”.
فيما حصلت مصادر وفقاً لـ”سبق” على مسوغات التوصية التي أثارت جدلاً عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” وقتذاك فنّدت فيها نقاط الاعتراض ودعمت بها التوصية.
وقالت: “تفرض التقاليد الفقهية –حسب الفقه الحنبلي- في السعودية على المرأة عند عقد النكاح إحضار ولي أمرها، حيث يعتبر الولي شرطاً لصحة النكاح، أو أن تلجأ للقضاء حال تعذر وجود الولي أو ورفضه تزويجها (العضل)، وقد نص نظام المرافعات في المادة 33 على اختصاص محاكم الأحوال الشخصية بالنظر في إثبات الزواج، وفي تزويج من لا ولي لها أو من عضلها أولياؤها، وهذا التخصيص كان للمرأة دون الرجل، ودون تحديده بعمر معين”.
وأضافت: “كما نصّت اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات على أن عقد الزواج أو اثباته يتطلب موافقة الجهة المختصة حسب التعليمات؛ حيث وضع ولي المرأة كطرف من أطراف عقد النكاح ومتطلباته، كما تضمّنت لائحة المأذون عدم إجراء عقد نكاح حال عدم وجود ولي للمرأة، إلا من قبل المحكمة، وأوجبت اللائحة الاطلاع على صك حصر الإرث عندما يكون الولي غير الأب لتحديد الولي في التزويج”.
وتابعت: “واشتراط إذن الولي في التزويج أدى إلى استغلال من بعض أولياء الأمور لهذه السلطة الممنوحة له، دون رادع، في عضل المرأة ومنع تزويجها لتحقيق مصالحه المالية، أو الشخصية، أو الاجتماعية، أو لمسايرة أعراف اجتماعية، حتى ولو كانت مجحفة بحق المرأة، مع تقصيره في واجبات النفقة والرعاية على المرأة، ودون النظر لاحتياجاتها ولرغبتها في الستر وفي أن تجد من ينفق عليها”.
وأوضحت: أنه “أشارت إحصاءات وزارة العدل إلى ارتفاع نسبة دعاوى العضل مؤخراً في مختلف مناطق المملكة، ورغم أن النظام يعطي المرأة الحق في رفع دعاوى العضل، ورغم الجهود التي بذلتها وزارة العدل مؤخراً في إصدار قواعد لسرعة إنجاز دعاوى العضل، إلا أنها لا تحل مشكلة العضل جذرياً لدى الكثير من النساء المعضولات نظراً لأن العديد منهن لا يمكنهن رفع قضايا لعدم قدرتهن المادية أو عدم قدرتهن على الخروج من المنزل، وخوفا من انتقام أسرهن”.
واستدركت: “وقوله تعالى: {وامْرَأةً مُؤْمِنَةً إنْ وهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إنْ أرادَ النَّبِيُّ أنْ يَسْتَنْكِحَها}، استدل منه أن المرأة هي التي وهبت نفسها وليس وليها، بل ولا ذكر له على الإطلاق، ولَمْ يَحْضُرْ هُناكَ ولِيٌّ البَتَّةَ، وقد قال ابن رشد في بداية المجتهد: “لم تأتِ آية ولا سنة هي ظاهرة في اشتراط الولاية في النكاح فضلاً عن أن يكون في ذلك نص، بل الآيات والسنن التي جرت العادة بالاحتجاج بها عند من يشترطها هي كلها محتملة والأحاديث مع كونها محتملة في ألفاظها مختلف في صحتها”.
وتابعت: “الأصل في الشريعة أن لكل إنسان بالغ عاقل راشد أن يستقل في التصرف بجميع شؤونه. والمرأة في الشريعة كاملة الأهلية، ويمكنها التصرف في كل شؤونها، ومنها إبرام العقود المهمة مثل العقود المالية؛ والنكاح يعتبر عقداً، فمن باب أولى أن تعقده المرأة بنفسها، وعلى هذا الأساس تكون الولاية عليها في الزواج على خلاف الأصل، وقد أخذت القوانين لدى عدد من الدول العربية والإسلامية بالمذهب الحنفي، الذي أجاز للمرأة البالغة العاقلة سواء أكانت بكراً أم ثيباً أن تباشر بنفسها عقد زواجها استقلالاً عن وليها، مع جواز أن توكل غير وليها في زواجها، مثل مصر والمغرب وتونس والجزائر غيرها”.
وساقت قائلةً في معرض مسوغاتها: “قامت العديد من الدول بتعديل قوانينها تماشياً مع اتفاقية سيداو التي نصت على أن تعامل المرأة على قدم المساواة مع الرجل في الحق في حرية إبرام عقد زواجها ومن دون ولي، وقد وقعت المملكة على هذه الاتفاقية، وما تحفظت عليه المملكة كان ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية، ونظراً لوجود مذاهب إسلامية مؤيدة لحق المرأة في إبرام عقد زواجها ومن دون ولي، فإن الأمر ليس مخالفاً للشريعة”.
وبيّنت: “تصنّف قضايا عضل النساء (منعهن من الزواج) ضمن جرائم الاتجار بالبشر، إذ تجبر المرأة على أن تختار بين تحمل الظلم، أو اللجوء إلى المحكمة ليزوجها القاضي وتحمل عناء وكلفة إثبات العضل، لتنال حقاً أساسياً لها، واشتراط موافقة الولي على عقد نكاح المرأة، مهما كان عمرها دون تقييد، يساعد على هذه الجريمة، ويجعل العضل وسلب الحقوق الأساسية للمرأة سهلاً كما أن تناقل تلك الوصاية من الأب للجد ثم الابن ثم الأخوة، يجعل المرأة كالسلعة التي تتوارث، حتى وإن وصلت لأعلى الدرجات العلمية والمهنية وتقلدت أعلى المناصب”.
وقالت: “من الضروري أن يُرفع الضرر الناتج عن هذا الشرط؛ لأنه سهّل التدخل في شؤون المرأة وفي منعها من حقوقها الأصيلة في تسيير شؤون حياتها، وحرمانها من الزواج والإنجاب ويصبح الأمر أصعب عندما يكون التعنت في التزويج على من تقدم بها السن، سواء أسبق لها الزواج -من المطلقات أو الأرامل– أم لم يسبق، حيث إن بعض أولياء الأمور يستغلون وصايتهم على المرأة ويعضلونها ويمنعون تزويجها ظلماً؛ مما ساهم في ارتفاع نسبة العنوسة وهروب عدد من الفتيات من أسرهن”.
واختتمت مسوغاتها: “إن اشتراط الولي في الزواج شرع ضماناً لحماية المرأة في زمن كانت المرأة تحتاج للتوجيه والحماية نظراً لعدم وجود قوانين وعدم معرفتها بحقوقها، وانخفاض تعليمها وخبرتها، وأما الآن فقد تطورت الحياة الاجتماعية والقوانين وأصبحت المرأة واعية ومسؤولة وتستطيع تدبير أمورها وأمور أسرتها بل ومجتمعها، والاستمرار في اشتراط إذن الولي في عصرنا الحالي يقوض مقاصد التشريع ويؤدي إلى عكس مراده”.