السناب وما أدراك ما السناب!

عادةٌ جديدة نمتْ وازدهرت في مجتمعاتنا الحديثة، وهي عادة الأداء الحسن والنجاح والربح.
إيديولوجيا الفوز هذه تفرض علينا النجاح في جميع الميادين، فيما تتكفل وسائل التواصل الاجتماعي بالنقل على مدار الساعه صوراً ومقاطع لرابحين يتم عرضهم كنماذج تحتذى وجديرة بالمتابعة.

••••••••••••••••

بينما يصعب تصور الفشل، ويصعب بالتالي تحمله.
في حين تعودنا أنْ تخبرنا العائلة والمدرسة والمجتمع منذ نعومة أظفارنا، أنه لا يحق لنا أن نفشل.
لا يحق لنا أن نفشل في مسايرة غيرنا، ومحاولة مواكبة كل جديد من المنتجات دون النظر لمدى حاجتنا إليها أو عدمها.
المهم في هذا الأمر هو المسايرة وعدم التخلف عن ركب الأقران، بل المسارعة في التصوير والنشر محاولةً في تعزيز قيمة الأفضلية والتميز والتفرد.

••••••••••••••••

قيمٌ صنعتها عادة جرت في المجتمع وانتشرت بين أفراده كانتشار النار في الهشيم، فلا يكاد يخلو بيت إلا وأصيب أحد أفراده بهذا الوهم الزائف من أفكار الفردانية والأفضلية.
وهي أفكار خاطئة بالقدر الذي تتمتع به من سمعةٍ وقبول لدى الكثير من الناس.

••••••••••••••••

ولذلك جاءت هذه الذهنية المجتمعية وقامت باختزال معنى النجاح والربح في حالة الظهور الإعلامي في أبهى الصور وأحسن الثياب وأفضل الحالات، بل تعدى الأمر إلى اختزال معنى الفشل والإخفاق في عدم القدرة على المسايرة والحضور المستمر على شاشات الأجهزة الذكية.

••••••••••••••••

ويأتي تطبيق السناب في مقدمة الركب الذي يصنع في الفضاء الفكري أيدولوجيا جديدة فرضت ثقافةً جديدة على المشهد الاجتماعي، وبالتالي فإنَّ هذه الثقافة الجديدة تُحملنا مؤونةً ذهنيةً لا طاقه لنا بها، وثقلًا نفسياً ومالياً على كثير من الأسر مما شكَّل عليها ضغطاً مخيفاً وحملاً كبيراً.

••••••••••••••••

هذا المشهد الاجتماعي أجبر الكثير من الأسر على الخروج عن النص المكتوب في ميزانيتها الشهرية، بل رسمتْ لها طريقاً للحاق بركب تصوير اليوميات لعلها تبلغُ شيئاً من كلمات الثناء والمدح والتعزيز.
كُلُّ هذا يأتي في مقابل حفنةٍ من الرضا الواهم والسعادة الآنيه الزائفة.

••••••••••••••••

وتكمن خطورة دلالات ومآلات هذا المشهد الاجتماعي أنه يرتدي طابعاً صارماً، فالكثير منجرفٌ مع التيار، وأيضاً أنه يأتي ضمن سياقٍ اجتماعي ضاغط ليكوُّن نسقاً عقلياً، من سار على صراطهِ كان من المرضيِّ عنهم، ومن خالف نسقهُ وُصِمَ بالنقص وقلة الحيلة.

••••••••••••••••

لكنه رغم ذلك كله يظلُّ الرشد موجوداً وقائماً بالقسط بين الناس والذي يسكن الكثير من العقول الراشدة والتي لديها القدرة على إدارة حياتهم بشيء من الاعتدال ودون إفراط أو تفريط.
ذلك القسط الذي يرشدهم عبر عقولهم التي تعي أن على الإنسان أن يتقبل الحياة كما هي، لا كما نتمناها أن تكونهُ، وأنَّ ما نمرُّ بهِ من أحداثٍ يتضمن إشارة لنا للتبصر في حياتنا وفهمها بطريقةٍ مختلفة.

••••••••••••••••••••••••••••••••

سليمان مُسلِم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *