سعادة الزبال ..

في أحد أيام الآحاد من صيف عام ٢٠١٣ ، كان يوماً رائعاً أطلت فيه الشمس على المجمع السكني بمرفأ مدينة برايتون الجميلة ، هذا اليوم لا يتكرر في بلاد الإنجليز ، فقد إعتدنا الأجواء الممطرة والسماء الغائمة واشتقنا للهيب الشمس الدافئة .

عزمت الخروج إلى وسط المدينة للغداء ، ولكن قبل ذلك لابد من رمي كيس النفايات في الغرفة المخصصة لجمعها ، فخرجت متوجهاً إلى الغرفة وكانت المفاجأة ، جميع الحاويات إمتلأت والرائحة لا تطاق .

عادة تجمع في يوم السبت من كل أسبوع ، فوضعت الكيس فوق بقية الأكوام المكدسة وخرجت  ..

ذهبت إلى محطة الباصات وركبت الباص الأحمر ذي الطابقين المتوجه إلى مركز المدينة ، صعدت للطابق الأول لأستمتع بمنظر الشاطئ الجميل على طول الطريق ومنظر وسط المدينة الملئ بالحياة .

قبل أن يصل الباص لأخر محطة بالقرب من ساحة تَشِرشِل نبض حياة المدينة ، وفي الطريق لاحظت شيئاً لم أره من قبل ..

المنظر راعني وفي نفس الوقت سرني ، فقد ذكرني بمناظر الديرة “الطبيعية” ..

لقد إمتلأت الحاوية السوداء وماحولها حتى الثمالة ، وجرت القراطيس بين المشاة بفعل الرياح ، وتكدست على جنبات الطريق البقية الباقية مما لم تذروه الرياح .

ما الذي حصل ؟

لقد أضرب عمال النظافة .. ولكن لماذا ؟

بالقرب من أحد أهم معالم برايتون الشاطئية ، جلس بكل هدوء وصمت عاملو النظافة حاملين اللافتات ويوزعون المنشورات على المارة ، واقترب أحدهم وفي يده منشورة ، أخذتها وقال : شكرًا ونحن آسفون.

كتب في المنشورة : نعتذر لجميع سكان برايتون عن الرائحة الكريهة .. البلدية تريد تخفيض رواتبنا لتخفيض تكاليف التشغيل ، نحن العاملون نكدح ونتعب ونحافظ على جمال المدينة ولا نتقاضى إلا القليل مقارنة بمن يجلس في المكاتب ، نحن العاملون أصحاب الأثر الأكبر والجهد الأعظم ، نحن العاملون نطالب بزيادة رواتبنا والتوفير من رواتب الذين يجلسون في أبراج عاجيه ويتقاضون أجوراً خيالية .

لم يدم الإضراب طويلاً ففي نهاية الأسبوع تحققت المطالب ولم تخفض رواتبهم .

عامل النظافة لا يكفي إحترامه وتبجيله وإنما يجب تقدير عمله مالياً ومعنوياً ، وإعطائه الأدوات المناسبة للعمل والإنتاج ومساعدته على أداء عمله ، وذلك يبدأ من داخل البيت وينتهي بتغيير عاداتنا الإستهلاكية.

مقالات سابقة للكاتب

10 تعليق على “سعادة الزبال ..

محمد

رائع بارك الله في فيك

اركد

ان التعرف ع سلوكيات وثقافات الشعوب المتقدمة والاطلاع ع معالجاتهم لمختلف نواحي الحياة في غاية الأهمية
شكرًا مهندس حسام ع الروعه في نقل الصورة وهذا ليس بجديد ع قلمك النافع وفكرة المتحضر
من الاخر …الله يحفظك وينفع بعلمك الأمة

نافع الصحفي ابو توفيق

قصة رائعة وجميلة أدت غرضها ومدلولها ووضحت مايعانونه عما النظافة أما عندنا مظاهر تشاهدها لا تليق بنا كمسلمين تجد من يرمي علبة البارد في الشارع دون احتراماً للآخرين ولو كان بجانب برميل النفيان وأشياء يعملونها الشباب غير لائقة مثل وقوف السيارت في وسط الطريق دون مبالاه ودون احترام للآخرين فمتى يتعلم شبابنا احترام الآخرين

م.اسامه باعشن

سلمت أناملك الذهبية على ماخطته لنا وبارك الله فيك

عابر سبيل

أنا اتفق معاك في انه عندنا عدم المبالاة في رمي القاذورات في الشارع لكن أرى انه الموضوع في نوع من التشاؤم والسبب انه كبارنا وابائنا وهم قدوتنا لم يعلمونا منذ الصغر رمي المخلفات في مكانها واكثر الناس يقول ” لا توسخ سيارتي ارميها برا” وهذي الكلمة تتردد بكثرة من كبيرنا و تاج رؤوسنا الى ان توارثها شبابنا ورواد مستقبلنا.
أعجبني في المقال انه ذكر الحل في قصة مبسطة ومشوقة بأن نقدر ونذكر انفسنا بأهمية عمل عمال النظافة او كما قلت ” سعادة الزبال” والاهم من ذالك ان نحافظ على المكان الذي نعيش فيه.
شكرا أخي حسام

أبو سعود

أحسنت
حاجتنا لعامل النظافة لا تقل بأي حال من الأحوال لحاجتنا للطبيب والمهندس والصيدلي
فلماذا نحترم ونوقر أولئك ونمتهن عامل النظافة ؟!! :(

محمد الصحفي

مقال هادف جداً بأسلوب رائع
أنا فخور جداً بك يا مهندس حسام
كثر الله من أمثالك من شبابنا المتميز

عبدالعزيز المعبدي

سمعت أنه في اليابان عامل النظافة
يعامل معاملة راقية ويلبس ملابس نظيفة
ويحصل علي راتب كبير
نحن مسلمين وإسلامنا يحثنا على إحترام المهن لكن واقعنا غير ذلك للأسف الشديد

وليف الروح

مقال هادف جداً ينم عن مستوى وعي الشعب السعودي وملاحظة ما يدور من حولنا من البلدان المتقدمة
للأسف شبابنا هداهم الله يعامل عمال النظافة معامله سيئة جداً وخاصة المراهقين منهم يصل في بعض الاحيان الى الضرب وسلب أمواله
هناك عدة طرق لتعريف الشباب بأهمية (رجل النظافة ) وليس بعامل النظافة لان مدلول هذا اللفظ يقلل من دور وأهمية
شكرًا مهندس حسام

البشري

مبدع يا حسام
ربي يوفقك
وما ذكرته عن عمال النظافة صحيح وهم بشر مثلنا يجب نحترمهم
ونعطيهم حقوقهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *