الأسرة هي نواة المجتمع وهي اللبنة الأساسية ببنائه، وهذا الشعار لم يأتي اعتباطا أو من فراغ إنما جاء نتيجة جهود مربين وعلماء أفنت عمرها بين الأبحاث والكتب ، والأسرة خصوصا على مر الزمن كانت الركيزة الأولى التي يأخذها كل العلماء بالاعتبار ويعرف أدوارها، وقد مرت الأسرة بعده مراحل على مر العصور ، فقد كانت أدوارها تتعدى ما نعرفه الآن بمراحل كبيرة وكان تماسك المجتمع قوي وبألف خير ، وليس دورها تؤكل وتشرب وتلبس وترمي الأبناء عند المؤسسات التعليمة تتولى تعليمهم وتربيتهم ، فالأسرة كانت هي من ينتج لنا اليد العاملة للنشاط الذي تمارسه فالفلاح يتربى على يد الأسرة ويصبح فلاح وصاحب التجارة والبيع والشراء ابنه بجواره وما ينطبق على المهن ينطبق على غيرها سواء مربي ماشية أو بحار . . إلخ.
ولم تكتفي الأسرة سابقًا فقط بهذا فهي كانت هي من يزرع الدين والقيم والعادات والتقاليد وصلة الأرحام والترابط الاجتماعي والشجاعة والكرم وكل صفة حسنة مكتسبة توجد بالأشخاص أصلها نابع من الأسرة وتربيتها ، ولكن ما نشاهده اليوم هو تحول خطير بكل الأسر وإن طال الزمن أو قصر سنجني آثاره السلبية على المجتمع برمته، فأول بوادر هذا التحول أن هناك جهات مجهولة تتولى تربية الأبناء خارج نطاق المجتمع من أجهزة ذكية ابتلينا فيها داخل منازلنا.
فالأبناء اليوم تأثير الألعاب الإلكترونية عليهم وشبكات التواصل الاجتماعي أشد تأثيرا من الآباء والأمهات والأقارب والجيران، أما الطامة الكبرى التي بدأت تطل برأسها بكل أسره هو التفكك الاسري بين أفرادها، فالابن اليوم لم يعد جليس الأب ويسمع منه والبنت أيضا لم تعد جليسه الأم وتتعلم منها، وبات الوالدين بوادي والأبناء بوادي آخر والهوة توسعت بينهم ، وكل فرد بالأسرة مدرسته بالحياة داخل جهازه، وتفكك الأسرة لا محاله سينتج عنه تفكك الأقارب والمجتمع فاليوم لا تستغرب بأن أصدقاء واحباء جيل الببجي والتيك توك والفيس بوك وتويتر يبعدون عنهم ألف الأميال ومن عالم آخر لايبت للمجتمع بصلة لا من حيث الدين والقيم والعادات والتقاليد، وأبناء عمومته وأقاربه وجيرانه ومجتمعه لا يعرف حتى أسمائهم.
وبدارسة ميدانية قمنا بها عن التأثيرات الاجتماعية لشبكات التواصل الاجتماعي عام 1435 فقد وجدنا كل المراهقين بعد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي تفاعلهم مع الأسرة لم يكن كالسابق وانخفض عدد الأصدقاء من المجتمع المحيط وقلت أو انعدمت مشاركتهم بمناسبات الأقارب، هو صحيح إن الانفتاح على الآخرين يحمل إيجابيات وزيادة المعرفة لكن أيضا يحمل سلبيات أكبر على عديم الخبرة والمعرفة والمراهق ، وإطالة الأمد على إدمان الأجهزة اللي بين أيدينا وخصوصا الأبناء سوف يضعف حتى الموروث الثقافي اللي حافظنا عليها بالتلقين المباشر لكل فئات المجتمع، والمؤسف حقا أن الأجهزة بدأت تتغلب حتى على دور المدرسة والمسجد والحي وتزرع بالعقول كوارث تدمر أجيال بكاملها على مر العصر ولن تنتج لنا إلا أشباه رجال وبها من العلل والاعاقات الفكرية ما الله به عليم .
عايد المحمدي
مقالات سابقة للكاتب