الرسالة الرابعة عشر
كان كلام أبو عبدالله مليئًا بالحكمة وخبرات السنين… حيث وافقه الجميع على ما قال وتنبهوا لما كانوا يقولونه من كلام سلبي قد يؤثر ليس عليهم أنفسهم وإنما قد يؤثر على من يسمعهم يرددونه فختم أبو عبدالله كلامه قائلًا .. كل ما أطلبه منكم هو أن تتفاءلوا بكل شيء حسن وترك التشاؤم فإنه يخلق الكثير من المشكلات التي أنتم في غنىً عنها … قوموا بما عليكم من جهد وأتركوا الباقي لرب العالمين … كان الوقت متأخرًا ، فنظر عصام إليّ نظرة عرفت معناها وكأنه يقول (طولناها) .. فنظرت بدوري إلى منصور ، ثم وكأننا نشرنا كثافتنا الحسية على كل من في المجلس فبدأت النظرات تتفاهم مع بعضها البعض … فقال عصام : نستودعك الله يا أبا عبدالله ثم وقف فتبعه كل من في المجلس … خرجنا من بيت أبو عبدالله متجهين إلى بيت عصام ، والذي أصبح وكأنه غرفة إستراحة في مقهى على أحد الطرق السريعة ، ليس فيه ركن إلا وبه كيس مربوط أو كرتون مقفل بشريط لاصق إستعدادًا للإنتقال إلى مسكننا الجديد ، وصلنا قبيل الفجر بدقائق ونحن منهكين فتجهزنا للصلاة ثم أديناها ، وأتخذ كل منا مكانًا بين الكراتين والأكياس ولم نشعر بأنفسنا إلا بعد الساعة الثانية من ظهر يوم الأحد … ولأن يوم الأثنين بالنسبة لي سيكون يومًا حافلًا حيث أنه أول يوم أبدأ فيه الدراسة الفعلية في المعهد قررت أن ألتزم البيت ولا أخرج منه إلا صباح يوم الأثنين ….
رجعت بي الذاكرة إلى اليوم الذي أشترى لي والدي حفظه الله الحقيبة والدفاتر وأقلام الرصاص في الأيام التي سبقت إلتحاقي بالمدرسة الإبتدائية إذ كنت أنام والحقيبة معلقة في ظهري وأنا أحلم بالمدرسة … كأني أمر بتلك الأيام وأنا في إنتظار ذهابي إلى المعهد في أول يوم دراسة … لم يشغل تفكيري إلا شيء واحد .. كيف سأقف أما المعلم أو المعلمة وبقية الطلاب وأُعرف نفسي باللغة الإنجليزية … قضيت يومي وجزء من ليلتي وأنا بين كل لحظة وأخرى أردد في داخلي وأحيانًا بصوت مسموع … ماي نيم إز إبراهيم ، أي أم فروم سأودي إرابيا .. أي أم نوت ماريد ، أي كييم تو أمريكا تو ستدي إنجلش أند كمبوتر ساينس … وترجمتها ( إسمي إبراهيم ، أنا من السعودية ، أنا لست متزوجًا ، وحضرت إلى أمريكا لدراسة اللغة الإنجليزية ثم علوم الكمبيوتر) .. هذه الأربع جُمل البسيطة أرهقتني أيما إرهاق حتى حفظتها إستعدادًا لليوم الأول ….المهم أنقضى النهار وتلاه الليل وأنا بين لحظة وأخرى أراجع جميع خططي السابقة بالنسبة للدراسة ، وكذلك رجعت بالذاكرة إلى أيام أولى متوسطة وأول لقاء لي باللغة الإنجليزية أيام كتابة نطق الكلمات بالعربي والوقوف عاجزًا في التفريق في الـ F ، والـ V والـ P والـ B ، فتساءلت هل سأمر بنفس الحالة وأنا هنا بين الناطقين بها … المهم ، تأكدت من وجود أقلامي ودفاتري في حقيبتي الصغيرة ، وتأكدت من كوي ملابسي ثم خلدت إلى النوم مبكرًا إستعدادًا ليس ليوم حافل جديد فقط ، وإنما لمرحلة دراسية طويلة داعيًا الله أن يوفقني فيها …. وفي صباح يوم الأثنين ذهبت إلى المعهد مبكرًا بصحبة منصور .. أستقبلنا بعض المسؤولين عن الطلبة الجدد ووجهونا إلى بعض الفصول .. فأدينا إختبار تحديد المستوى ثم تم توزيعنا إلى الفصول حسب نتائجنا في الإختبار ، فكان نصيبي أن أكون في المستوى الثاني .. تعجبت كيف أكون في المستوى الثاني وليس الأول وإنما عندما تعرفت على بعض الطلبة في الأيام اللاحقة عرفت أنني أعتبر خبيراً بالنسبة لبعضهم …
إلى اللقاء في رسالة أخرى
أخوكم : عبدالعزيز مبروك عتيق الصحفي