معلم القرآن “أ. محمد علي عبدالرحمن” رحمه الله

كم هي قاسية لحظات الوداع والفراق التي تسجل وتختزن في القلب والذاكرة وكم نشعر بالحزن ونختنق بالدموع ونحن نودع أحداً من جيل المربين والأساتذة الأفاضل المؤمنين بالرسالة التربوية الإيمانية العظيمة من ذلك الزمن الجميل البعيد  ..

أستاذنا جميعاً المربي المرحوم محمد علي عبدالرحمن ( أبو ريان ) كما هو معروف في حي جبل الشراشف بالمسفلة باسم الأستاذ علي ، الذي فارق الدنيا بعد مسيرة عطاء عريضة في خدمة القرآن وتعليمه مع جمعية تحفيظ القرآن الكريم بمكة المكرمة منذ أكثر من ثلاثون عاماً والذي يُعد من أقدم معلمي الجمعية ، رحل تاركاً سيرة عطرة وذكرى طيبة وروحاً نقية وميراثاً من حفظة كتاب الله من مدرسي الحلقات وأئمة المساجد ..

انتقل إلى مثواه الأخير صبيحة يوم الإثنين الثامن والعشر من شهر صفر لعام 1442هـ بعد شدة تعب لوحظت عليه في الفترة الأخيرة كما أني التقيت به قبل فترة بسيطة في جامع الصفة وكان يطلبني الدعاء له والسلام على إخواني ..

عُرف المرحوم بتميزه وتفوقه في تعليمه للقرآن ، وكان يُعرف بشدته وإتقانه وتفانيه في تعليم القرآن حيث كان معلما بحلقات تحفيظ القرآن الكريم بمسجد أبي عليم الدين بحي الطندباوي وتخرج على يديه ثلة كبيرة من حفظة القرآن كما أنه عمل معلما بمدرسة عبدالله بن المبارك ( الثقافة ) ووكيلا لها وشارك أيضا في عضوية لجنة الإختبارات العمومية بجمعية تحفيظ القرآن الكريم بمكة المكرمة لسنين عدة ..

في تعزيته ذكر عدد من طلابه ومحبيه في رسائل كثيرة منها : توفي اليوم أستاذ الأجيال ومعلم الرجال أ. محمد علي عبدالرحمن عسى الله أن يلحقه بأم ريان التي سبقته إلى البرزخ  ، لقد صنعت حفظة وأئمة وقدوات ، رحمك الله أيها الجار العزيز والأستاذ الغالي والناس شهداء الله في الأرض .

كما ذكر أحدهم أيضاً : رحم الله أستاذنا محمد علي ، معلم أفنى عمره في خدمة كتاب الله ،، معلم ترك أثره وبصمته في خدمة كتاب الرحمن ،، تخرج على يديه مئات الحفظة من كتاب الله جيلا بعد جيل ،، كرَس حياته لتعليم أبناء المسلمين ،، اللهم اغفر لعبدك محمد علي معلم القرآن مربي الأجيال محفظ أبناء المسلمين .

ومما تناقل بين الأحبة رسالة له – رحمه الله – كان قد وجهها لأحد أصحابه : السلام عليكم ورحمة الله .. بارك الله فيك .. أخوك بحاجة ماسة إلى دعواتك ،، دعوةً تسميني بها عند ربنا ..

عرفنا الفقيد معلماً هادئاً متسامحاً راضياً قنوعاً ملتزماً بإنسانيته كما هو ملتزم بدينه وواجباته الدينية ،
حمل الأمانة بإخلاص وأعطى للحياة والناس جهده وخبرته وتجربته وحبه لهم ، تمتع بخصال ومزايا حميدة جلها الايمان ودماثة الخلق وحسن المعشر وطيبة القلب ، متميزاً بالدماثة ، والتواضع الذي زاده احتراماً وتقديراً ومحبة في قلوب الناس والطلاب وكل من عرفه والتقى به .

وهل هناك ثروة يبقيها الإنسان بعد موته أكثر من محبة الناس ..؟!

لقد غيب الموت أستاذنا ومعلمنا الحبيب الغالي جسداً ، لكنه سيبقى في قلوبنا ما بقينا على قيد هذه الحياة ، ولن ننساه ، وسيظل بأعماله ومآثره وسيرته نبراساً وقدوة لنا .

نم مرتاح البال والضمير ، فقد أديت الأمانة وقمت بدورك على أحسن وجه ، والرجال الصادقون أمثالك لا يموتون .

وما لي في وقفة الوداع سوى هذين البيتين من الشعر :
خلفت في الدنيا بياناً خالداً وتركت أجيالاً من الأبناء ..
وغداً سيذكرك الزمان لم يزل للدهر انصاف وحسن جزاء ..

خالص العزاء والمواساة لأهله وأبنائه وإخوانه ومحبيه وجميع طلابه ، رحمه الله رحمة واسعة وغفر له وأسكنه فسيح جناته وجزاه خيرا على ماقدم وماذُكر قليل في حق من خدم القرآن فرحمه الله رحمة الأبرار وإنا لله وإنا إليه راجعون .

 

معاذ الحجازي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *