الفلسفة في أبسط تعريفاتها -كما يعلم الكثير- حُبّ الحكمة.
ولعلّ القارئ لتاريخ الأمم والحضارات؛ يجد أنَّ لتلك الأمم والحضارات فلسفةً تنطلق منها وتسير وفق منهجيتها؛ حتى تتمكن من القيام بواجباتها، والحفاظ على هويتها في نفوس أفرادها، وعدم ذوبانها في هويات أخرى مغايرة.
ومن هنا نجد أنَّ الأمة التي لديها فلسفة عميقة، وعقيدة راسخة هي أكثر الأمم ثباتاً في هويتها، وديمومةً في بناء حضارتها.
والأمة الإسلامية أمةٌ حاضرةٌ بهويتها المستمدة من دستورها العظيم -كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم- بين أمم الأرض قاطبةً، ولديها القدرة على المضي قُدماً في هذا الحضور.
وإذا قمنا بعملية بحث يسيرة؛ نجد الكثير من معالم تلك الهوية التي تتميز بها أمتنا الإسلامية.
هذا التميز ينطلق من إيمانٍ عميق بدرستورها دون التطلّع إلى تجاوز أمةٍ بعينها،أو الفوز على أمةٍ أخرى.
حسبها في هذا التميز المحافظة على هويتها، والعمل على نشر هديها للعالم.
ولأجل ذلك نجد أنه من الضروري توظيف الفلسفة كناقل مهم وحيوي تنفذ من خلاله هذه الهوية معبرةً عن نفسها ومبلّغِةً لرسالتها بالحكمة والموعظة الحسنة.
هذا التوظيف يرتكز على ذهنيةٍ واعيةٍ تُشّرع نوافذها لكل مفيد ونافع ويتوافق مع رسالتها المقدسة.
إنَّ العمل وفق هذه الذهنية يمنحنا التعايش والسلام مع الآخر الذي يختلف عنا، لكن نتقاسم معه منجزاً إنسانياً في هذه الأرض.
لذا يمكننا الانطلاق بهذه الذهنية مع التركيز على نقطتين جوهريتين هما:
النقطة الأولى:
إنَ تدريس الفلسفة، أو مناهج التفكير لا يعني بالضرورة الذوبان في هويةٍ أخرى، كما لا يعني الزهد في قراءة السيرة النبوية، أو النظر إلى الأحداث التي مرت بها، بل يعني أنْ نتعمّق أكثر في قراءة تلك الأحداث ومدلولاتها، وأنْ نحاول تأصيل منظور الإنسان إلى نفسه، والكون، والحياة عبر حضور مُهِيب للآيات القرآنية في مناهج التعليم.
النقطة الثانية:
الاهتمام بتدريس السيرة النبوية، أو صور من حياة الصحابة -على سبيل المثال لا الحصر- من منظور فكري عميق يؤسس لثقافةٍ ناقدة من شأنها سَبْر أغوار تلك اليقظة الروحية التي حدثت في نفوس أولئك الصحابة رضوان الله عليهم، ونقلتْ أرواحهم من الظلمات إلى النور، ووصلتْ بهم إلى إيمانٍ راسخ لامسَ شغاف قلوبهم.
سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي