ثنية لفت

“ثنية لفت” وتسمى أيضاً بعقبة السويق ، أو عقبة السكر .. ثنية تقع على حرة تفصل بين خليص و قديد .. من أشد العقبات على طريق الحج النبوي ، وذلك بسبب حجارة الحرة السوداء والرمال المتراكمة عليها ، وسميت بعقبة السويق وعقبة السكر؛ لأن الحجاج كانوا يُسقون فيها السويق والسكر المذاب.

سلك هذه الثنية -على مر التاريخ- الأنبياء والرسل ، وسلكها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع ، كما عبرتها قوافل الحجيج من الشام ومصر والرحالة من مختلف أقطار العالم الإسلامي، وعلى ظهر هذه العقبة موضع مصلى قيل أنه مصلى للرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان طريق هذه العقبة منقّى من حجارة الحرة ومبني بجدران على جانبه لمنع دخول الرمال وحمايته منها، ولا تزال آثار هذا الطريق والمسجد باقية حتى هذه اللحظة .

للأسف آثار هذه الجدران والطريق والمسجد على هذه العقبة تكاد تراكم الرمال المتحركة تخفيه وتبتلعه ، ويختفي هذا الأثر الإسلامي العريق مع مرور الوقت إذا لم تمتد يد العناية والإهتمام به، وقد زرت هذه العقبة أكثر من مرة ، ونلاحظ في كل مرة اختفاء جزء من طريق وآثار هذه العقبة تحت الكثبان الرملية .

اسأل ويتساءل الكثير لماذا يعاني هذا الإرث التاريخي من كل هذا الإهمال ؟

حيث لا طريق ممهد له ، ولا تصل له إلا سيارات الدفع الرباعي وبصعوبة بالغة عبر الكثبان الرملية ، والعقوم الترابية التي أقامها البعض وربما يأتي يوما ما وتغلق هذه العقوم العشوائية هذا الطريق أيضاً ، فتختفي أثار هذه العقبة بين جور الطبيعة وعبث وإهمال الإنسان ، وعلى الرغم أن أقرب طريق معبد له لا يبعد سوى ٢ كيلو !

علاوة على أن لا لوحات إرشادية أو إعلامية تشير أو تذكر هذه الثنية أو غيرها من المواقع والمعالم السياحية الكثيرة ذات العمق الحضاري المتنوع في محافظة خليص.

ألا يعد هذا الأثر معلمًا أثرياً يجب الاهتمام به من قبل المسؤولين في البلدية والسياحة في محافظة خليص ومنطقة مكة المكرمة؟!!

وأنا في حديثي هذا أؤكد على ما  تضمنته رؤية المملكة 2030 في العمل على إحياء مواقع التراث الوطني والعربي والإسلامي والقديم وتسجيلها ضمن قائمة التراث العالمي، وتمكين الجميع من الوصول إليها بوصفها شاهداً حياً على إرثنا العريق وعلى الدور الفاعل، والموقع البارز على خريطة الحضارة الإنسانية!!

وفي ضوء ذلك فقد رأيت وشاهدت في بعض مدن وطني المملكة العربية السعودية أثناء جولاتي السياحية ، الاهتمام الكبير في هذا المجال بما يوافق هذه الرؤية المباركة ، ورأينا ترميم بعض المواقع الأثرية وزيادة الاهتمام بها وإعادة تأهليها لإستقبال الزوار وصناعتها سياحيًا ، وتسليط الأضواء الإعلامية عليها ، والتسويق لها، وإبراز التاريخ الثقافي والمادي لسكان هذه المدن ، وخير مثال على ذلك إعادة إحياء بعض المواقع والحصون والآثار التاريخية في عسفان ، بجهود ذاتية من قبل بلدية عسفان والجهات الحكومية وتكاتف المهتمين بالسياحة والآثار في عسفان لإبراز إرثها الثقافي والمادي والإحتفاء به !!

وهنا لا بد أن أشير وأثني على جهود اللجنة الثقافية برئاسة الأستاذ عبدالرحيم الصبحي بمحافظة خليص عندما أقامت قبل سنتين لقاء عن تاريخ وحضارة خليص استقطبت فيه عدد من الباحثين والإعلاميين والمهتمين بالآثار والسياحة ، حيث ألقت فيه الضوء على إبراز المعالم السياحية والمواقع الأثرية في محافظة خليص ورصدت وسجلت عدد من التوصيات والنقاط لرفعها لجهات الإختصاص لحماية هذه الآثار وتفعيل دورها في عملية التنشيط وصناعة السياحة في محافظة خليص ، لكن لا أدري ما آلت إليه تلك التوصيات والمقترحات ؟.

كما أننا لم نرى لها أثر على أرض الواقع السياحي في المحافظة ، حيث يمر الزائر للمنطقة ولا يلفت انتباهه ما يشده أو يرشده إلى تلك المناطق والمواقع الأثرية ذات العمق الحضاري والطبيعي .

إن محافظة خليص تقع على طريق حيوي يسلكه حجاج وزوار بيت الله الحرام ، وهو طريق مكة المكرمة والمدينة المنورة ، وبالإمكان استغلال ميزة الموقع ، ومرور حجاج بيت الله الحرام ، وبما تمتلكه خليص من مواقع أثرية دينية وتاريخية وطبيعة متنوعة بصناعة سياحة متميزة في محافظة خليص وإعادتها لسابق عهدها كمحطة استراحة سياحية وترفيهية للحجاج في ظل هذه العناصر والدعم اللامحدود للقطاع السياحي في ظل قيادة أميرنا المحبوب محمد بن سلمان ورؤيته العظيمة2030.

 

مهدي نفاع القرشي

 باحث في التاريخ والآثار – مرشد سياحي

مقالات سابقة للكاتب

2 تعليق على “ثنية لفت

ابن بذال

جميل ان يكتب الاستاذ مهدي القرشي عن ثنية لفت الاثرية التي لامناص من عبورها لموقعها الاستراتيجي بمحافظة خليص ويمر بها درب الانبياء من مكة والمدينة .
استاذنا الفاضل ابو رعد طاب مداد قلمك فقد ذكرت انها تحف بها جدارين فتلك ثنية الجيش وتسمى ثنية الحاج فقد انشئت تلك الجدارين في العهد القريب والمسجد الذي اشرت إليه عثماني اما ثنية لفت التي تقصدها فهي مندثرة للاسف وليست تلك التي بين الجدارين يارعاك الله . وكثيرا من الباحثين يخلط بين ثنية لفت وثنية الجيش التي صممت لعبور محامل الحاج الشامي والمصري قبل اربعة قرون ونيف .
كاتبنا ابو رعد جزاك الله خيرا وبورك علمك .

مهدي نفاع القرشي

استاذنا ابن بذل شكرا على التعقيب والمرور على المقال
أخي العزيز
نحن لم نركز في المقال على مناقشة مسميات العقبة وامتدادها التاريخي واسمائها الحديثة التي ذكرتها ( الجيش ، والترك وغيرها )!،
ذكرنا العقبة بأسمها القديم كما وردت في المصادر الأصل بوصف طريقها وصعوبتها وركزنا على الاهتمام بها وإعادة تأهيلها ، وشددنا على أهمية صيانة وتأهيل مثل هذه المواقع الأثرية المنتشرة على طول طريق الهجرة في الحدود الأدارية لمحافظة خليص ، 🌹
تحياتي لك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *