يُحكى أنه كان هناك فتاة قد بلغت من الحسن والخُلُق مبلغاً كبيراً ، فهي غانيةٌ جميلة قد إستغنت بجمالها عما يجملها ، وكان لها إخوة كُثر وتحت كل أخ أبناء كثر يسكنون في أحد أحياء العرب على طريق القوافل بين مكة والشام ، وكان إخوتها لا يولونها من الإهتمام إلا الشي القليل وإن كانوا يتفاوتون في حبهم لها واهتمامهم بها .
سمع بهذه الفتاة رجل ثري من أثرياء مكة يدعى بأبي طاهر الحلواني إمتهنت عائلته صناعة الحلوى وبرعت فيها.
رغب “أبو طاهر” وهو رجل مزواج يهين النساء ولا يصونهن بالزواج بهذه الفتاة ، ولأنه يعلم يقيناً بأنه سيجاب بالرفض من قبل إخوتها عمد إلى صناعة فطيرة عجيبة شهية المذاق بديعة المنظر من أكل منها أكلةً قد لا يجوع بعدها ، فأهداها إلى ثلاثة من إخوتها فسال لها لعابهم وطارت منها عقولهم واستحسنوها وقبلوها مهراً لأختهم ، وأخفوا ذلك عن باقي إخوتهم ودُبِّر الأمر بِليل …
سمع أحد الإخوة بهذه المكيدة فأرغى وأزبد وصال وجال وصاح بباقي الإخوة كاشفاً لهم تفاصيل هذه المؤامرة فثارت ثائرتهم وانقلبت الطاولة على “أبي طاهر” رأسا على عقب في الوقت الذي كان فيه يتجهز لملاقاة عروسه والدخول بها ..
لم يستسلم “أبو طاهر” ولم يرفع المنديل بل ذهب إلى تزيين فطيرته أكثر فأكثر وجعلها أكثر إغراءً لكسب تأييد المزيد من الإخوة مستعيناً في ذلك بأتباعه السابقين المؤيدين … وبالفعل نجح الإخوة الثلاثة في استقطاب رابع وخامس بعد ما تم إغراءهم بهذه الفطيرة العجيبة ضاربين بكرامة أختهم عرض الحائط …
تناقل الناس خبر هذه الفطيرة العجيبة وتطاير علمها إلى أن بلغت الأحياء المجاورة ، فطمع بعض سادات وكبراء تلك الأحياء بالفطيرة أيضاً فسخروا إمكاناتهم ووجاهتهم لتحقيق ما أرادوا وهم يعلمون أنه لا وسيلة للحصول على شي منها إلا بإقناع باقي الإخوة وهم أكثرية بالقبول بأبي طاهر زوجاً لأختهم ….
الإخوة بدورهم انقسموا إلى قسمين ثلة من المؤيدين المنتفعين الذين باعوا ضمائرهم من أجل عرض دنيوي زائل نعيمه ، وباقٍ وزره وكثيرٌ من المعارضين .
والمعارضون هم أيضاً انقسموا إلى قسمين قسم معارض بغية إرضائه بشي من الفطيرة فهو إذا أعطي منها رضي وان لم يعطى منها سخط ، والقسم الآخر معارض حفاظاً على كرامة أخته ولمثل هؤلاء يقف المرء إحتراماً ويقبل رؤوسهم إجلالاً ….
ويبقى التساؤل !!!
هل سيتمكن “أبو طاهر” من شراء ذمم باقي الإخوة ؟ .. خاصة وأن الثمن غالٍ جداً ! .. أم أنه لا تزال هناك مروءة ورجولة تختفي وراء بعض الوجوه ؟
هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة …. ودمتم
مقالات سابقة للكاتب