صلوات ( مقاربة نقدية)

صلوات
من التكرار والعادية .. إلى الومضات الشعرية
( مقاربة نقدية)

(1) بين يدي الآن ديوان شعر خفيف نظيف شفيف بموضوعه، وحيويته، ومعاصرته والموسم بـ صلوات!! وهو للشاعر الأديب والناقد الحبب الدكتور سعد الرفاعي الصادر عن نادي أبها الأدبي في طبعته الأولى 1442هـ/2020م وهو عبارة عن مقطوعات قصيرة أو (ق.ق.ج) أو ما أسميها (شعر الومضة) بيتين أو ثلاثة فقط وإن زادت فلن تتجاوز الأربعة أبيات.
والمعروف – نقدياً – أن (القصيدة) تطلق على النصوص الشعرية المطولة فوق السبعة أبيات أو تسعة. وأن ما قل عن ذلك تسمى (مقطوعة) وتجيء سباعية/ في سبعة أبيات، أو سداسية/ ستة أبيات، أو خماسية/ خمسة أبيات أو رباعية وثلاثية وثنائية وأقلها البيت الواحد!!
ولكن شاعرنا سعد الرفاعي يختار (الثنائيات) ذات البيتين فقط أو الثلاثيات أو الرباعيات فقط وبذلك فهو يحقق شرط المقطوعات الشعرية.
والجميل هنا أن شاعرنا يختار موضوع الصلوات المباركات على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم مجالاً شعرياً “لاستحضار فضل الصلاة عليه وتعميق محبته وذكره في النفوس، وللتعبير عمَّا له ولمزاياه من أثر عميق فيها” ص11.
وهذه أهداف سامية بلا شك، وخير معبر عنها هو الشعر الذي جاء هتاناً على دفقات شعورية مجدولة ومخطط لها أسبوعياً ويصدرها الشاعر كرسالة أسبوعية يرسلها لمحبيه وقارئيه ومتابعيه في الفضاء الإلكتروني ولما أخبرني بها وبمراميها وأهدافها اقترحت عليه – كما جاء في مقدمة ص 11 – أن يجمعها ويصدرها في ديوان خاص نبوي السمات، وسامي الغايات فتم ذلك حيث تبناه نادي أبها الأدبي وكتب عنه رئيس النادي الدكتور أحمد آل مريع تقديماً ضافياً جاء فيه: “وهذا الديوان… مختلف من حيث تجربته الشعرية ومختلف من حيث غرضه الذي تفرغ لأجله. فتجربته تأتي في سياق المقطوعات الشعرية القصيرة ذات التكوين اللغوي السهل… يتجاول فيه الأدبي والجمالي بالتعبدي والشعائري وهي الصلاة والسلام على النبي الكريم…” ص8.

(2) وإذا أبحرنا – نقدياً – في هذا الديوان المتفرد ألفيناه تجربة روحانية صافية تستجلب مكونات شعرية سابقة، تشعر معها – كقارئ – بالتناص مع شعريات ونثريات سابقة تفضي إلى الهدف والغاية وهو التذكير بالصلاة على النبي الكريم وآله الطيبين.
يقول في إحدى المقطوعات الثنائية:
صلُّوا علـــيه وسلموا تســــــليماً صلُّوا عليه وضاعفوا التكريما
فهو النبي المستضاء بهديه وبذكــــره زهت الحـــــياة نعيـــــــما
ص 95
ويقول في مقطوعة أخرى:
عليـــــــك نصلِّي عليــــك نسلِّم فأنــــــت النبي لنـــــا والمعـــــــلم
وأنت بشــــــير الهدى للـــــورى فصلى عليك الإله وســــــــلم
ص 75
وقبل ذلك في ص 32 يقول:
صلُّوا عليه وضاعفوا التسليما وتسابقوا في حـــــــبه تعظيما
فالله قد أوصى بمحكم قـــــــــوله (صلُّوا عليه وسلموا تسليما)
من هذه المقتبسات يتجلى (التناص) المحكم(تناصاً) داخلياً أي بين المقطوعات بعضها مع بعض، و(تناصاً) خارجياً مع صلوات شعرية أو نثرية سابقة!! وهذا جهد شعري يقترب من النظم والصنعة، ويبتعد عن الجمالية والفنية الشعرية.
ومن جانب آخر – توحي هذه الصلوات الشعرية بالتكرارية، تكرار الفكرة، تكرار اللغة، تكرار البحر والروى، تكرار العبارة. ولعلِّي أقف مع تكرار البحر الشعري فقد أوقف الشاعر ديوانه (صلوات) على البحور الخليلية عبر القصيدة العمودية البيتية، ولم يترقى إلى النص التفعيلي والذي يحتمل المقطوعات الشعرية القصيرة على نمط الكتابة السطرية!!
أيضاً نجد ميل الشاعر إلى (البحر الكامل) من البحور الخليلية فأغلب المقطوعات بل أكثرها على هذا البحر الخفيف/ الرشيق/ الغنائي السلس الذي يتماشى مع روحانيات الصلاة والسلام على الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.

(3) ولعلي أختم هذه المقاربة بالوقوف عند الثيمات والمواقف النبوية التي اختزلتها هذه المقطوعات الشعرية، فنجد ثيمة الصلاة والسلام على النبي الكريم هي البارزة والمتكررة والمتجذرة في كل المقطوعات، ومن أجلها بني الديوان وتتالت القصائد. وهذه الثيمة تأخذ عدة أبعاد أولها الشاعر يصلي ويسلم على الرسول، وثانيها الدعوة للآخرين والتذكير بهذا الهدف السامي وثالثها ذكر بعض مزايا المصطفى صلى الله عليه وسلم مثل إضاءة الدجى، محو الذنوب وكفاء الهموم، والحصول على الشفاعة، وفضل الصلاة والسلام… وغيرها.

ونجد ثيمة المعجزة القرآنية التي جاء بها النبي الأعظم كما في المقطوعة رقم (20) وكذلك ثيمة البعثة النبوية بعد (اقرأ) المقطوعة (27)، ونجد ثيمة القيادة في سيرته صلى الله عليه وسلم المقطوعتان (59، 94)، ونجد ثيمة الحصار في الشعب المقطوعة رقم (92) والهجرة إلى المدينة النبوية (92، 104، 110، 123، 127) وثيمة الجذع الذي حن لأقدام النبي وهو يخطب عليه (115)، وثيمة حفظ الحقوق والاهتمام بالجار (136، 137) وثيمة الغزوات والحروب التي خاضها ضد الكفر والمشركين (138، 139، 140، 142).

وبهذه الموضوعات التي احتواها ديوان (صلوات) اختزال وتذكير بشيء من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة. ولكن شاعرنا لم يتوسع في مثل هذه الثيمات الموضوعاتية فلم نجده يقف عند غار حراء، وغار ثور، وتعذيب المشركين له ولأصحابه، وخروجه للطائف وهجرة الصحابة الأولى للحبشة وغيرها من المواقف النبوية التي تستجلب الصلاة والسلام عليه وتذكر بمواقفه وسيرته النبوية.

(4) وعلى أية حال فقد أحسن شاعرنا في هذا الديوان الذي أعتبره تجربة فريدة.. فقد عرفنا المدائح النبوية، والقصائد المخصصة لسيرته النبوية ولكنا لم نجد ديواناً كاملاً مخصصاً للتذكير بالصلاة النبوية ولعل هذا دعوة للشعراء الآخرين أن يستفيدوا من هذه التجربة الشعرية، وينحوا هذا المنحى الجديد المفيد.
وهنا أقف لأستفيد من استهلال الناقد المتواري خلف الجدر الإدارية والأكاديمية رئيس مجلس إدارة نادي أبها الأدبي والأستاذ الدكتور في جامعة الملك خالد الزميل الصديق أحمد آل مريع الذي يقول فيها:

“جاءت النصوص الشعرية مختلفة برغم تجاورها وتشابهها في الغرض وذات حمولات متنوعة بحسب كل نص، فتارة تأتي في معارض الوطنية والانتماء، وأخرى في معارض التاريخ والحوادث الاجتماعية أو السيرة النبوية، وثالثة في معارض الجمال في الأشياء والموجودات والفصول والزمان والمكان… إلخ” ص 9.
وهذا ملخص مكثف ومركز عن التجربة (الرفاعية) في ديوان (صلوات) الذي تداخلنا معه في هذه المقاربة النقدية. والله من وراء القصد.

 

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *