الحقيقةُ التي لها ألفُ وجه!

عندما نتبادل آراءنا حول حقيقة ما لن يحدث شيء حيالها من التغيير في جوهرها .
إنَّ كل ما في وسعنا عمله هو إضافة معلومات لتلك الحقيقة.
وقد نعلق أهميةً على تلك المعلومات المضافة تفوقُ الأهميةَ التي نمنحها للحقيقة نفسها.
فالأمر يغدو متعلقاً بنا وبنظرتنا للحقيقة أكثر من الحقيقة ذاتها.
فنجد أنفسنا أننا نتحدث عن الحقائق أكثر من محاولة فهمها؛لأن قبول العقل للحقائق صعب للغاية.
لذلك نجد أنفسنا نُفسّر الحقائقَ ونبحث عن معانٍ لها،وتكون هذه التفسيرات متوافقة مع أهوائنا وتحيُّزاتنا وظروفنا وآمالنا ومخاوفنا،لكن إذا تمكنّا من رؤية الحقيقة دون تلك التفسيرات؛ستصبح الحقيقة حيّة،وتَمْثُلُ أمامنا وحيدةً مجردة،وتمنحنا طاقةً ترشدنا إلى الاتجاه الصحيح.
فنحن نراقب دوماً،لكننا لا نراقب بعفوية،وإنما نحكم على ما نراقبه ونمنحه اسماً ونقبله،أو نرفضه،أو نريد تهذيبه،أو التحكم به،أو تشكيله من جديد.
فنحن أمام تلك الحقيقة لسنا مراقبين حتى وإنْ ادّعينا ذلك؛لأننا نَنطلقُ من تفكيرنا أولاً وليس من أنفسنا المجردة من أي تصوُّر مسبق.
ولو انطلقنا من أنفسنا لغدا ذلك انتباهاً تاماً وصحوة للذكاء وتغيرت أركان المعادلة تماماً.
فالفكرة التي نُكوُّنها عن الحقيقة تأتي من الذاكرة،والذاكرة هي صورة نُخَزّنها،وننظر من خلالها ونحكم على الأمور عبر عينيها.
وعليه تكون نظرتنا مشوُّشة بغبار الماضي،ولن نرى ما أمامنا مباشرةً بعفوية.
فهل لنا من سبيلٍ في مواجهة الحقيقةَ دون تشويهٍ أو إقحام أفكارنا؟
إنَّ سبيلنا نحو هذه المواجهة أنْ نواجه الحقيقة كما هي،وليس عَبْرَ الفكرة عنها؛لأن الفكرة عنها تحّجبْنا عن رؤية الحقيقة،ثم تمنعنا من الفعل الواعي نحوها.
ومعرفةُ الحقيقةِ هنا ليست محصورة بحقيقة أحداث مادية بعينها،بل يتجاوز ذلك إلى معرفة الحقيقة الذهنية التي تسكنُ عقولنا وتُوجّه سلوكنا.
إنَّ ما نحتاجه لفهم الحقيقة أنْ نراقب أفكارنا ومشاعرنا وسلوكنا من لحظةٍ إلى أخرى؛لنتمكن من إدراك الواقع الفعلي لكينونة تلك الحقيقة في حالةٍ من التجلّي من حمولات الماضي وصوره الذهنية.

سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

5 تعليق على “الحقيقةُ التي لها ألفُ وجه!

ابن بذال

اليست فلسفتنا لحياتنا هي المسؤولة عن التحكم في تفكيرنا ؟

أختكً الأساتذة / فاطمة ناصر

جميل وممتع هذا المقالوهناك إضافة/إن الحقيقة مفردة يرددها الكتاب والمفكرون وعامة الناس دون يدركوا يدركوا
أو ينتبهوا إلى معناها أو تجسدها أو مثلهاوالكل يتحدث عن الحقيفة ويطالب بها أو يجد أويجتهد للبحث عنهاولكن الحقيقة تظل مبهمة في كل زمان وفي تجليات الثقافة والسبب أن الحقيقة ليس لها تجسد واحدإذن معنى الحقيقة كلهم وغائب في كل مظاهر الحياة الطبيعية والبشرية👏🌸

نفاع بن مهنا بن ماضي الصحفي

في معترك الحياة اليومية تردنا أنباء عن مواقف حدثت لأشخاص ممن حولنا و كيف كانت ردة فعلهم و يكثر القيل و القال حتى تضيع حقيقة ما حدث و النتيجة تغير في نظرتنا لهذا الشخص بطل الموقف ان ذكر بسوء و لذا لنبينا الكريم عليه افضل الصلاة و ازكى التسليم منهج رائع و هو لا يبلغني احد من أصحابي عن أحد شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم و أنا سليم الصدر .

علي محمدعلي ابو جهيم

مقال غاية في المتعة و الرقي الفكري والثقافي لكاتبه الاستاذ /سليمان البلادي .
ومن الأمور التي تحول بيننا وبين الوصول للحقيقة المجردة هي فعلاً اسقاط الصور الذهنية المختزلة بالعقول على تفسيرنا وتحليلنا لهذه الحقيقة.
فشكراً لكم استاذ سليمان على هذا الإثراء الثقافي المعرفي الراقي .

مريم قاسم بلالي

مقال رائع جدًا ولاغرابة في ذلك فمقالاتك كلها ترفل في ثوب الجمال
فعلا
حين تُخزن بعقولنا صور ذهنية عن شئ ما او شخص ما ستكون امرا يحول بيننا وبين الوصول لتلك الحقيقة المجردة ولن نرى ذلك إلا من خلال تلك الصور المخزنة
ولن نحكم إلا من خلالها ….لك تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *