عندما نتبادل آراءنا حول حقيقة ما لن يحدث شيء حيالها من التغيير في جوهرها .
إنَّ كل ما في وسعنا عمله هو إضافة معلومات لتلك الحقيقة.
وقد نعلق أهميةً على تلك المعلومات المضافة تفوقُ الأهميةَ التي نمنحها للحقيقة نفسها.
فالأمر يغدو متعلقاً بنا وبنظرتنا للحقيقة أكثر من الحقيقة ذاتها.
فنجد أنفسنا أننا نتحدث عن الحقائق أكثر من محاولة فهمها؛لأن قبول العقل للحقائق صعب للغاية.
لذلك نجد أنفسنا نُفسّر الحقائقَ ونبحث عن معانٍ لها،وتكون هذه التفسيرات متوافقة مع أهوائنا وتحيُّزاتنا وظروفنا وآمالنا ومخاوفنا،لكن إذا تمكنّا من رؤية الحقيقة دون تلك التفسيرات؛ستصبح الحقيقة حيّة،وتَمْثُلُ أمامنا وحيدةً مجردة،وتمنحنا طاقةً ترشدنا إلى الاتجاه الصحيح.
فنحن نراقب دوماً،لكننا لا نراقب بعفوية،وإنما نحكم على ما نراقبه ونمنحه اسماً ونقبله،أو نرفضه،أو نريد تهذيبه،أو التحكم به،أو تشكيله من جديد.
فنحن أمام تلك الحقيقة لسنا مراقبين حتى وإنْ ادّعينا ذلك؛لأننا نَنطلقُ من تفكيرنا أولاً وليس من أنفسنا المجردة من أي تصوُّر مسبق.
ولو انطلقنا من أنفسنا لغدا ذلك انتباهاً تاماً وصحوة للذكاء وتغيرت أركان المعادلة تماماً.
فالفكرة التي نُكوُّنها عن الحقيقة تأتي من الذاكرة،والذاكرة هي صورة نُخَزّنها،وننظر من خلالها ونحكم على الأمور عبر عينيها.
وعليه تكون نظرتنا مشوُّشة بغبار الماضي،ولن نرى ما أمامنا مباشرةً بعفوية.
فهل لنا من سبيلٍ في مواجهة الحقيقةَ دون تشويهٍ أو إقحام أفكارنا؟
إنَّ سبيلنا نحو هذه المواجهة أنْ نواجه الحقيقة كما هي،وليس عَبْرَ الفكرة عنها؛لأن الفكرة عنها تحّجبْنا عن رؤية الحقيقة،ثم تمنعنا من الفعل الواعي نحوها.
ومعرفةُ الحقيقةِ هنا ليست محصورة بحقيقة أحداث مادية بعينها،بل يتجاوز ذلك إلى معرفة الحقيقة الذهنية التي تسكنُ عقولنا وتُوجّه سلوكنا.
إنَّ ما نحتاجه لفهم الحقيقة أنْ نراقب أفكارنا ومشاعرنا وسلوكنا من لحظةٍ إلى أخرى؛لنتمكن من إدراك الواقع الفعلي لكينونة تلك الحقيقة في حالةٍ من التجلّي من حمولات الماضي وصوره الذهنية.
سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي