المجتمع الحجازي

كنت في مقالة سابقة ذكرت ما لأهل الحجاز من ميزة في إحياء التراث الشعري الفصيح وإذاعته في مجالسهم ومناسباتهم ، وها أنا اليوم أستكمل ما بدأته لأكشف عن شيء من أسرار حب هذا المجتمع لتراث العربية وتعلقهم به فيما ينتجون من فكر وأدب ، وعند النظر إلى التركيبة الاجتماعية في المدن الحجازية المتحضرة نجد أن هذا المجتمع متفرد في تركيبته عن باقي المجتمعات في الجزيرة العربية، فهو مجتمع لا يرتبط برباط العصبية القبلية،ولا بروابط العرق أو اللون ؛ لأنه مجتمع متعدد الأعراق والأنساب يتألف من أسر كريمة ، وفد أجدادهم منذ زمن بعيد من كل أصقاع الدنيا إلى حيث تهفوا الأفئدة استجابة لدعوة أبيهم إبراهيم ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون)..

لذا كانت الوشيجة الدينية والأخوة الإسلامية هي الرباط الوحيد الذي يجمع بين أبناء الحجاز، ولما كان التراث العربي والإسلامي متمثلا في اللغة العربية الفصيحة هو المعبر عن تلك الوشيجة ،تعلق به أبناء مكة وماجاورها واجتمعوا عليه؛ فرأينا هذه العناية بالشعر الفصيح في المجتمع الحجازي حفظا وإنشادا وتذوقا وإنتاجا وظهر عبر الأجيال أدباء حجازيون كان لهم القدح المعلى في فنون الأدب شعرا ونثرا ، وإذا كان من الطبيعي لأي لغة في أي مكان أن تخبو حتى تندثر معالمها بما لها من تاريخ وتراث لأي سبب ، فإن اللغة العربية في مهدها ومهوى الأفئدة ومأرز العلم والعلماء ظلت حية معبرة على الرغم من مرور الزمن وتعاقب الأجيال مصداقا لقول الله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ..

و لذا بقي تراثها الأدبي محفوظا بحفظ القرآن الكريم حاضراً متجددا بين أبنائه يستوي في حبه وفهمه وتذوقه العامي والمثقف ، ومن هنا يظهر لنا السر في تأثر المجتمع الحجازي به وتمسكهم به .

وأنا هنا لا أزعم أن العناية بالتراث مقصورة على أبناء المجتمع الحجازي ، فمازالت الأمة في كل مكان وزمان تحتفي بتراثها وتستحضره وتضيف إليه و وتفاخر به الأمم وتستنير به كلما ضلت طريقها، ولكني أردت أن ألمح إلى مكانته في نفوس المجتمع الحجازي خاصة ؛ فهم به أولى، وإليه أقرب وأحوج ، ولما كان الشعر حلية هذا التراث ، وديوانه الثبت ، وميدانه الذي يتنافس فيه المتنافسون؛ رأيناهم اليوم في مجالسهم ومنتدياتهم يرددونه ويتلذذون بإنشاده ، فسبحان من علم آدم الأسماء كلها .

 

إبراهيم القرشي

 

مقالات سابقة للكاتب

2 تعليق على “المجتمع الحجازي

إبراهيم أبوليلى

تحية اجلال واكبار للكاتب الأستاذ ابراهيم القرشي ابو صفوان فقد اثار بمقاله هذا والذي سبق فينا الشجون وحفزنا إلى الاهتمام اكثر بهذا المخزون الادبي والثقافي في الحجاز بل وفي كل بقعة من هذه البلاد الطاهرة بل العالم باثره فاللغة العربية هي التي يتعبد بها المسلم ربه فان المسلم حين يقوم باداء الصلاة وجب عليه ان يقرأ الفاتحة وما تيسر له باللغة العربية وجوبا فلا تقبل صلاته ان لم يقرأ بالعربية وهذا هو سر خلود وحفظ هذه اللغة الجميلة وحقيقة لقد زارنا الاستاذ الكاتب في مركازنا المتواضع مركاز الاحبة الثقافي واضفى على المركاز الجميل مما يحمله من ثقافة في العربية سواء شعرا او نثرا او تاريخا وها هو هنا يضيف الشىء الجميل بمقالاته فشكرا لك ابا صفوان على هذا الاثراء المعرفي والاشادة بهذه اللغة العظيمة والاعتزاز بها وحقيقة نحن في امس الحاجة الى مثل هؤلاء الكتاب الذين يعتزون بلغتهم كي يتأثر بها الجيل الصاعد بدلا من ان يميع في ثقافة الغير وثقافته لا تضاهيها ثقافة ابدا ويكفي انها اللغة التي نزل بها القرآن الكريم من عند رب الناس إلى الناس كافة…
لك كل التحية والتقدير كاتبنا الفذ بوركت وسددت ووفقت 🌹

ابراهيم القرشي

بعض مما عندك يا أبا ليلى والفضل لله ثم لك أنت والزملاء في الصحيفة 🌹🌹🌹

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *