نرتهن غالباً للذاكرة بما يجب علينا فعله، وما علينا تجنّب فعله، وما ينبغي التفكير به، وما لا ينبغي التفكير به.
فنحن نخزّن المعرفة من أحداث الحياة التي حصلنا عليها لتصبح ذاكرة؛ لنعود إليها لاحقاً لمواجهة تحديات الحياة ومتطلباتها.
إضافةً إلى ذلك نُودع ما نتعلمه من دروس في ذاكرتنا كخبراتٍ حياتية نلجأ إليها كلما احتجنا إلى التصرف تجاه ما تواجهنا من أمور وأحداث.
وما ينبغي الانتباه إليه هو ألَّا يكون الإنسان مُرتهنَاً لسلطة تلك الخبرات المتراكمة المخزنة في ذاكرته؛ لأن الاستناد إلى محتوى تلك الذاكرة من شأنه أن يعمل على توجيه دفة حياتك وفق ذلك المضمون، وسيتكرر ما تفعله دائماً بدلاً من الانفتاح على خبرات جديدة.
فنحن بحاجة إلى إعادة النظر بين فترة وأخرى لأفكارنا ومسلماتنا.
وهذا لا يعني بالضرورة التشكيك فيما كنا نعتقد بصحته وسلامة توجهنا،بل هذا من شأنه معالجة ما قد يلحق بتلك الأفكار من شوائب، وذلك التوجُّه من غبار التراكم والتقادم.
كما أنَّ هذه الإعادة في صحة أفكارنا يرتكز إلى قاعدة جوهرية مفادها أنه ليس هناك حقيقة مطلقة يملكها شخص دون آخر.
إنَّ الذاكرة التي تتكون من الدفاعات الهشَّة الواعية واللاواعية، والبنية النفسية الضعيفة ماهي إلاَّ قديم متداعي على الإنسان الخلاص منها، ولا خلاص منها إلَّا عبر إدراكه العميق بعدم جدوى الرجوع إليها والاستناد إليها وجعْلها مرجعاً ذهنياً نتدارسه كلما مَرَّ عليها أمرٌ واستجدَّ حدثٌ جديد.
إنَّ الفلاح في اغتنام الطاقة الوافرة في الاستجابة الواعية لمواقف الحياة.
فعندما تصبح متحرراً من تلك الدفاعات وسلطة الذاكرة القديمة التي تغرف منها أغلب ردود أفعالك؛ سترى وتفهم الأمور على حقيقتها وتدركها على نحو لم يسبق لك إدراكه من قبل.
وهذا التحرُّر يتطلب منك عقلاً يقظاً للغاية وقلباً صافياً لا تشوبه شائبة من الذاكرة القديمة.
إن سبيلك نحو هذا التحرر من ذاكرتك ليس أنْ تزهدَ في ذاكرتك، أو تغدو كرجلٍ فَقَدَ ذاكرته، بل هو معرفة ذاتك معرفةً عميقة.
فإذا غابتْ معرفة الذات؛ ولّدت التجربةُ الوهمَ.
أما إذا ترسَّخت معرفة الذات؛ فلن تترك التجربةُ بقايا للتراكم كذاكرة، وستعيش اللحظةَ والموقف الآني بكل كثافته، ولن تبني أفعالك على تجارب ماضية، أو ذاكرةٍ تَعِيّسةٍ بائسة.
سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي