من المعروف أن وصف الاجتماعي يطلق على الشخص الذي يحيط نفسه بدائرة من العلاقات و يفضل مشاركة وقته مع الاخرين وايضا اذا ذكرت كلمة انطوائي سيتبادر إلى ذهنك ذلك الشخص الذي يفضل العزلة و ويشعر بالضجر والضيق عند مخالطة الناس
ربما يكون ذلك الوصف من وجهة نظر عامة ولكن أيضا هو كذلك من المنظور العلمي فقد قام عالم نفس مؤثر بنشر كتاب مذهل عن أنماط الشخصية حيث قال ان الانطوائية والانبساطية هيا لبنتين اساسية لبناء الشخصية
وقد وصف هذا العالم الانطوائية والانبساطية وصف دقيق فقال ان الانطوائيين يعيشون في عالم الافكار والمشاعر وينجذبون إليها بينما وصف الانبساطيين او الاجتماعيين بأنهم ينجذبون الى حياة الناس والانشطة الخارجية ويركز الانطوائيين على المعنى الذي ينشؤنه من الأحداث التي تدور حولهم بينما ينغمس الانبساطيين هم نفسهم بالأحداث
ولكن السؤال الاهم هنا هل تعتبر الانطوائية مؤشر للمرض ؟
أن عزلة الشخص الذي عرف بحبه للاجتماعات والذي لا يشعر بنشوة إلا مع وجود العلاقات والصداقات من الممكن أن تكون مثيرة للقلق
لكن ماذا لو كان الشخص يفضل العزلة ولا ينتشي إلا بالجلوس وحيدا ؟
من الظلم أن يحرم الانطوائي من عزلته ويجر للمجالس ويدفع للخروج وكأنه عليل
حيث أن إجبار الانطوائيين على مخالطة المجتمع بشكل دائم واغتصاب حقهم في العزلة يجعلهم خائري القوى فقد أوضح علماء النفس ان الشخصية الانطوائية تستمد وتشحن طاقاتها من العزلة
فقد قال الكاتب عبداللطيف القرين في احد كتبه ” اننا لانكتفي بسلب الشواحن المناسبة لتلك الشخصيات بل وندفعهم لاستخدام شواحن الاجتماعيين عندما نلزمهم بالتصرف كما يفعلون وكأننا بذلك نقوم بمحاولة شحن اجهزة عن طريق القوة بشواحن لم تفصل لأجلها “
إن ميل هذه الشخصيات الى العزلة و اعتذاراتهم المتكررة عن حضور الاجتماعات لاعلاقة له في الغالب بالخجل والخوف او قلة الثقة ولا بالرهاب الاجتماعي فأغلب تلك الشخصيات تتقن جميع المهارات الاجتماعية ومهارات التواصل بشكل جيد لكن ليس بالضرورة أنهم يفضلون ممارستها
فمن غير المنصف ذلك الضغط الذي يواجه الشخصية الانطوائية وتصنيفهم كشخصيات سوداوية مريضة ف الانطوائية بحسب أبحاث الطب النفسي لاتصنف مرض وإنما هي طبيعة بشرية أو صفة وراثية كما قال عباس العقاد أنه ورث الانطواء من أمه وأبيه
ومن غير المنصف ايضا التكهن بأنهم يملكون مقدار أقل من المتعة والسعادة وأنهم يفتقدون للذة الحياة
فأكثر الدراسات اوضحت ان متعة الانطوائي أثناء ممارسة طقوسه في عزلته تعادل متعة الانبساطي حين يكون بمكان مكتظ ومليئ بالرفقة
قد حُكِمت تلك الشخصية بنظرة سطحية عامية بحتة ومن الواجب انصافها
إن شخصية الانطوائي ليست شخصية معقدة أو سلبية او غريبة الاطوار بل وان العديد من الانطوائيين يتمتعون بجاذبية وكاريزما كبيرة وقدرة على ان يضفو الكثير من المتعة على اي حديث او اجتماع
ولعل صفاء الذهن الناتج من حياة الهدوء والروتين لتلك الشخصيات يمكنهم من القدرة على التفكير بعمق والتحليل بالتالي يجعلهم اشخاص مبدعين كما قال عالم الفيزياء المعروف بالانطوائية انيشتاين ( أن رتابة الحياة الهادئة والعزلة،تحفز الدماغ على التفكير الإبداعي)
بل ويوجد شخصيات عربية وغير عربية معروفة وعظيمة وصفوا أنفسهم بالانطوائية منهم غازي القصيبي وعباس العقاد كما ذكرت سابقا وغاندي وستيف جوبز وبيل جيتس وغيرهم الكثير من اصحاب الابداع الذين كانوا ذو شخصية انطوائية
ان موضوع الانطوائية معقد جدا ولن ننكر ان لتلك الشخصية سلبيات كثيرة ولكن لها ايجابيات تعادل سلبياتها فقد سلط المجتمع الضوء على سلبياتها وضلل ايجابياتها بالسواد
وأخيرا لست اجمل العزلة في عين من اراد اعتزال الناس
اني اتحدث عن انعزال فطري يُخرج طاقات غير محدودة من الابداع اما ذلك الانعزال الذي سببه الخوف والهروب بسبب عقد نفسية أو بسبب قلة الثقة فذلك انعزالاً مذموماً.
أمجاد حميد الحازمي
memaaaa1996@
مقالات سابقة للكاتب