التيك توك وأخوانه.. رِفقًا بنا!

المتأمل لكثيرٍ من أحوالنا في الحياة؛ يجد أن ثقافتنا اليوم تُركِّز تركيزاً مفرطاً يكاد يكون حصرياً على التوقعات والآمال الإيجابية إلى حدٍّ غير واقعيّ.
مثال:
كن أكثر سعادةً، أكثر صحةً، الأفضل، أحسن من الآخرين، أكثر ذكاءً، وأكثر سرعةً، وأكثر ثراءً، وأكثر شعبيةً، وأكثر إنتاجيةً، وأكثر استقطاباً لإعجابهم.
لكنك إذا توقفت وفكرت في الأمر مليّاً؛ ستجد أن النصائح التقليدية للحياة -كل تلك الأشياء الإيجابية الفرحة المصممة للمساعدة الذاتية التي نسمعها طيلة الوقت- هي في واقع الأمر نصائح تُركِّز على ما أنت مفتقر إليه.
إنها موجهة توجيهاً دقيقاً مثل شعاع من الليزر إلى ما تراه أنت نقائصك الشخصية ومواضع فشلك،وهي تُشدِّد عليها حتى تراها جيداً.
والمفارقة المضحكة في ذلك كله أن هذا التركيز الشديد على ما هو إيجابي لا يفعل شيئاً غير تذكيرنا مرةً بعد مرة بما لسنا عليه، أو بما نحن مفتقرون إليه، أو بما يجب أن نكونه لولا فشلنا.
ولقد ساهمت الإعلانات التجارية في السابق، ووسائل التواصل الاجتماعي حالياً في جَعْلَك مقتنعاً بأن مفتاحك إلى الحياة الجيدة هو وظيفة أحسن من وظيفتك، أو سيارة أكثر فخامةً من سيارتك، أو معيشة أفضل من الحياة التي تعيشها الآن.
ويخبرك محتوى مشاهير تلك الوسائل أن الطريق إلى حياةٍ أفضل هو المزيد والمزيد والمزيد.
صحيح أنه ما مِنْ شيءٍ خاطئ في الحصول على وظيفة جيدة،إلا أن المبالغة في الاهتمام بذلك أمر سيئ لصحتك العقلية؛ إذْ أنه يجعلك زائد التعلق بما هو سطحي مزيف، ويجعلك تُكرِّس حياتك لملاحقة سراب سعادة آنية، أو إحساس بالرضا الزائف.
لذا من الأهمية أن نوفر إجابةً شافية لهذه الأسئلة التي تتهاطل على الذهن:
ما الذي نهتم به؟ وما الذي نكترث به؟ وما الذي نختار الاهتمام به؟ وكيف يمكننا أن نكفّ عن الاهتمام بما لا أهمية له في آخر المطاف؟
إن فكرة عدم المبالغة في الاهتمام بأشياء كثيرة، ليست إلَّا طريقة بسيطة في إعادة توجيه آمالنا وتوقعاتنا في الحياة وتحديد ما هو مهم وما هو غير مهم.

سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *