مقدمة :
“اعذروني لانني لم اكتب لقباً قبل ذكر اسم هذا العملاق فأنا قد تركت هذه المهمة لكم “
إن الحديث عن العملاق الدكتور غازي القصيبي يغريني بشده لكوني مدمن سابق وحالي على حب هذا الرجل لذا اقول إن الأمر يحتاج فقط أن تكون إنساناً بدرجة تتفوق بها على أقرانك ومن هم حولك، لكي يسطر التاريخ اسمك في مصاف العظماء .. وقد كتب التاريخ اسم الإنسان غازي القصيبي في الرتب الأولى منهم .
تفوق غازي على أقرانه لأنه كان يثق بنفسة .. أكاد أراه وأسمعه وهو يردد بلسان حاله مقولة “أضاعوني وأي فتى اضاعوا “. إن لم نمنح هذا الرجل حقه. وقد صدق.
ومن الأمور العجيبة في هذا الرجل أنه لايتردد في أن يقول وينشر كل مايعتقده من مبادىء وقيم بكل جراة ومن دون خوف .
حتى الهزيمة .. حين حصل وذاق مرارتها إثر منافسته على اليونسكو ..وذلك حين فاز بها المنافس الياباني أمامه اعترف بالهزيمة ولم يكتفي بذلك بل قال أمام الإعلاميين بكل صراحة ونُبل عندما سألوه ماسبب انتصار المنافس الياباني عليك ؟
قال لهم : انتصر لانه الأجدر بالفوز. ثم سألوه : ولماذا كان الياباني الاجدر بالفوز ؟! فقال لهم : لأنه كان الأقوى ؟
وهو من قال حينها : اننا يجب ان نتحمل نتائج أعمالنا .. فيجب ان لا نكتفي بالاعتراف بالنجاحات فقط ، يجب أن نعترف بالهزائم ايضاً .
هو من قال : في أعقاب معركة خليج الخنازير على لسان الرئيس “كينيدي “*ان للانتصار الف والد .. أما الهزيمة فطفل يتيم *.
قال الدكتور غازي للحضور الذي أمامه: ” وانا لا اريد ان تكون الهزيمة طفل يتيم انا اعلن لكم انني تبنيت هذه الهزيمة بكل سرور.
اسألك هل سمعت بانسان ناهيك عن سياسي وهو يعترف انه فشل في تحقيق الهدف؟ يعترف بالفشل ويزيد على ذلك ان هناك دروس تعلمتها من الفشل ..
إنه يعلمنا انه لا يوجد عيب في الاعتراف بالفشل !! وأن هناك من يتبنى الهزيمة وينسبها لنفسه بكل سرور .
هو فارس بلا جواد ..ومعركة بلا رايه قدم من أعماق نفسه ، وآمن بها بعد ايمانه بخالقه .
كان ينظر للمناصب أنها تكليف لا تشريف .
قال لمن جاءه ليكرمه بالمنصب، امنح هذا التكريم للكرسي اذاً .
كان يفيض حقيقة .. تماماً كسحابة افاضت علينا الماء ..
نجح في كل مكان ذهب اليه .. كأنه والنجاح قد عقدا اتفاق بينهما ان يكون هو والنجاح على وفاق أمد الدهر .
لم يأتي وزيراً .. بل جاء خادماً لوطنه ..
لذا كان إخلاصه هذا ومبدأه هذا كافٍ ليحمله الى حيث النجوم .
تنقل من مكان الى مكان .. ومن وزارة الى وزارة ومن مهمة الى مهمة ومن تكليف لآخر .
وحينما رحل ترك فراغاً كبيراً يصعب على أحد مان يسده ..
رحل وكتبت عن رحيله وفقده صحف عالمية
رحل بعد أن ترك في الوجدان بصمة
رحل بعد أن ترك في الشعر بصمة
رحل بعد أن ترك في الادارة بصمة
رحل بعد أن ترك في السياسة بصمه
رحل بعد أن ترك في الدبلوماسية بصمه
رحل بعد أن ترك في الفلسفة والحب والفخر بصمات ..
الدكتور غازي .. علامة فارقة لم يجيء ليمضي كما اتفق ..
جاء ليضع بصمة في هذه الحياة
جاء لتبقى ذكراه .. مدى الدهر
انه الطموح البعيد ..
عجيب أمر هذا العملاق .. في كل فن نجح ..
هو حشد من رجال في رجل ..
شاعر وأديب كبير تجده
إداري ذكي ومتحدث لبق
نجح سفيراً .. ونجح وزيراً .. ونجح مديراً .. ونجح قائداً ..
حقق مبدأ ووجود معنى قياده ..
قليل من يحقق هذا ؟
وحلي بمن يحقق هذا المبدأ أن يكون إنساناً استثنائياً
فأولئك المميزون طالما حققوا مايعجز عنه الآلاف بل الملايين من البشر، فكان لزاماً على التاريخ أن يميزهم بسيرة عطرة .. وذكر طويل الأجل .
فايز حميد البشري
مقالات سابقة للكاتب